جهود سعودية ودولية للمحافظة على الثروة

صادف يوم الإثنين 15 آذار (مارس) من هذا العام، مرور 50 عاماً على إنشاء منظمة المستهلك الدولي Consumers International، التي تعنى بحماية حقوق المستهلكين على المستوى العالمي، من خلال تواجدها في أكثر من 115 بلداً على مستوى العالم.
تقوم منظمة المستهلك الدولي، بتاريخ 15 آذار (مارس) من كل عام، بتنفيذ حملة توعية قوية للمستهلكين على مستوى العالم، تحت شعارات متعددة ومختلفة، تتناسب مع طبيعة ونوع الأحداث العالمية، التي تحدث في تلك السنة، بهدف توفير المساندة والحماية اللازمة للمستهلكين في التعامل مع تلك الأحداث، التي تحمل الحملة شعارها، فعلى سبيل المثال اختارت المنظمة المذكورة أن تكون حملتها التوعوية هذا العام حول حقوق المستهلك المالية، واستخدامها تبعاً لذلك شعارا يرمز به إلى تلك الحملة وهو «أموالنا حقوقنا Our money our rights».
تهدف حملة «أموالنا حقوقنا»، إلى المحافظة على مدخرات وثروات الأفراد على مستوى العالم، المستخدمين للخدمات المالية المختلفة، من خلال توعيتهم بحقوقهم تجاه تلك الخدمات، بما في ذلك تجاه مقدميها، لا سيما وأن الصورة العامة، التي كشفت عنها أعمال المستهلك الدولي، كانت غير مرضية بالنسبة لمستخدمي الخدمات المالية على مستوى العالم، لكونهم يواجهون مجموعة من المشكلات في تعاملهم مع موفري الخدمات المالية، تمثلت في ممارسات الإقراض غير المسؤول، واستخدام العقود المجحفة، بما في ذلك سوء استخدام الرسوم، وسوء تقديم النصائح المالية من قبل المندوبين بسبب افتقارهم للموضوعية، الأمر الذي تسبب في حدوث الأزمة المالية العالمية وتفجرها في عام 2008.
من بين الجهود الدولية كذلك، التي بذلت في سبيل حماية ثروات المستهلكين على مستوى العالم من التآكل والضياع، الإرشادات التي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1985، والتي استهدف بعضها، تسهيل عمليات الإنتاج وأنماط التوزيع وفق احتياجات ورغبات المستهلكين، ومساعدة الدول في القضاء على الممارسات التجارية الخاطئة وغير العادلة، من خلال محاصرتها في جميع المجالات على المستويين المحلي والدولي، بما في ذلك التشجيع على خلق ظروف سوقية وتجارية عادلة ومتكافئة، تمنح المستهلكين فرصا أكبر للاختيار بين السلع والخدمات المتوافرة في الأسواق بأقل الأسعار، وأخيراً وليس آخراً، ألا يؤدي استهلاك الأجيال الحاضرة إلى تعريض رفاه الأجيال المقبلة للخطر بسبب الشح في الموارد الاقتصادية والطبيعية.
بالنسبة للوضع في السعودية، فقد أسهمت الإجراءات العديدة، التي اتخذتها الحكومة السعودية قبل وخلال تفجر الأزمة المالية العالمية، في حماية الثروات المالية، التي تنعم بها البلاد من الضياع، وبالذات خلال الأزمة المالية العالمية، بما في ذلك مساعدة المواطن على التعامل مع المتغيرات والمستجدات، التي طرأت على ظروف حياته المعيشية، بسبب التطور الاقتصادي الذي تنعم به المملكة، وانفتاح اقتصادها على بقية اقتصادات دول العالم، وارتفاع المستوى المعيشي للمواطن.
من بين أبرز الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السعودية قبل تفجر الأزمة المالية العالمية، لضمان سلامة الثروات السعودية المالية، التوجه نحو تنويع مصادر الدخل القومي وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيس ووحيد للدخل، حيث قد تم التركيز على سبيل المثال، على التحسين من مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، من خلال توفير بيئة العمل المناسبة، وزيادة فاعليته في الحراك الاقتصادي الذي تشهده المملكة، الأمر الذي حسن من مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2009، التي بلغت نحو 47.8 في المائة، هذا إضافة إلى استمرار الحكومة في دعم صناديق التنمية المتخصصة وبرامج التمويل الحكومية، حيث بلغت قيمة القروض التي قدمتها الحكومة من خلال ذلك النوع من الصناديق لمشاريع التنمية المختلفة، حتى نهاية عام 2009 أكثر من 388 مليار ريال.
خلال الأزمة المالية العالمية، اتخذت الحكومة السعودية عددا من الإجراءات، التي ساعدت وأسهمت بشكل كبير، في استمرار وتيرة النمو الاقتصادي في البلاد، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، الإبقاء على مستوى إنفاق حكومي مرتفع رغم الانخفاض الحاد، الذي تعرضت له أسعار النفط العالمية بنحو 78 في المائة خلال الفترة من بداية النصف الأخير من عام 2008 حتى الربع الأول من عام 2009، الأمر الذي انعكس بشكل إيجابي على نمو مساهمة القطاع الحكومي في النمو الاقتصادي خلال العام الماضي بنسبة بلغت 4 في المائة، ومساهمته أيضاً في نمو الناتج المحلي غير النفطي بنحو 32.5 في المائة، هذا كما قد أسهم رصد المملكة لمبلغ 400 مليار دولار أمريكي للإنفاق على مشاريع التنمية (في القطاعين الحكومي والنفطي)، خلال السنوات الخمس، الذي أعلن عنه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في قمة العشرين في واشنطن، في تجنيب دخول الاقتصاد السعودي في مرحلة من مراحل الركود الاقتصادي نتيجة تداعيات الأزمة المالية العالمية.
خلاصة القول، إن تداعيات الأزمة المالية العالمية وإفرازاتها السلبية على عدد كبير من اقتصادات دول العالم، بما في ذلك الثروات الشخصية للأفراد، استلزمت استنفار الطاقات الحكومية لدول العالم المختلفة، بما في ذلك مؤسسات المجتمع المدني مثل منظمة المستهلك الدولي وغيرها، في ضبط السلوك المالي للاقتصاد العالمي، لمنع تكرار مشكلة الأزمة المالية العالمية مرة أخرى في المستقبل.
حكومة السعودية، تنبهت منذ وقت بعيد لمثل هذه الأزمة وغيرها، وتعاملت معها بقدر كبير من المسؤولية، من خلال ضبط أداء أربعة عناصر رئيسة، هي السياسة المالية، والسياسة النقدية، وسياسة سعر الصرف، والتحكم في المستوى العام للأسعار، ما مكن الاقتصاد السعودي من التعامل مع تداعيات وتبعات الأزمة بأقل الأضرار والخسائر الممكنة، الأمر الذي عزز من مكانة الاقتصاد السعودي العالمية، ومن مكانتيه السياسيتين المالية والنقدية، اللتين أصبحتا مثالين يحتذيا بهما على مستوى العالم، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي