هيئة للمشاريع الحكومية حماية للمال العام .. النوايا الحسنة لا تكفي!

نبالغ أحيانا عندما نعتقد أن المنافسة العامة في ترسية بعض المشاريع الحكومية الكبرى؛ كفيلة بحماية المال العام وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص. المال العام لا تحميه، في حالات كثيرة, سياسة أقل العروض لتنفيذ هذه المشاريع. بل إن ذلك في المدى الطويل؛ قد يكون سببا لإهدار المال العام, وإضعاف الأهداف الأساسية لهذه المشاريع. الشروط مطابقة والسعر هو الأقل! ثم على أرض الواقع؛ يراوح المشروع مكانه سنوات عديدة, والأعذار واهية ومتكررة. ما زلنا نحسب تكلفة المشاريع بالأرقام, في حين أن هناك خلف الأرقام تنمية وتحديات ومستقبلا وسباقا حضاريا, وإرادة سياسية تريد الخير للبلاد والعباد.
الوقت هو من قبيل المال العام، ويتعين حمايته أيضا. المبادرة مقرونة بالوقت. خذ مثلا جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية, منجز حضاري بمقاييس عالمية, كم تمثل قيمة الوقت في إنجاز هذه المبادرة الحضارية؟ كم تمثل قيمة الوقت في منجز كجسر الجمرات؟ الأمثلة لا تنتهي! في نظري أن قيمة الوقت لا تقدر بثمن.
حماية المال العام ليست فقط في ضمان عدم صرفه إلا للمقاول الذي أنجز أعماله؛ لأن هذا أمر مفروغ منه ولا جدال فيه. حماية المال العام هي أيضا تنفيذ المشروع في وقته المحدد, وبالمواصفات المطلوبة. الدولة لم تخصص هذه الأموال لهذه المشاريع إلا ليستفيد منها الوطن والمواطن في وقتها المحدد, لا أن تبقى المخصصات في الخزانة العامة, واللوحات الإرشادية مضاءة لسنوات قد تزيد على ضعف المدة المحددة للتنفيذ.
المال العام لا تسرقه أيدي المختلسين فقط, ولا ينال منه المتاجرون بالوظيفة العامة فقط, ولا من امتهنوا دفع الهدايا فقط؛ فهؤلاء ''ملعونون'' بنص الحديث النبوي الشريف. لكن المال العام يسرقه أيضا التسويف والمماطلة وضعف المتابعة. تردُّ بعض الجهات الحكومية على الانتقادات التي تكتب في الصحافة بشأن تنفيذ بعض المشاريع, بكلمات متكررة ومتشابهة، قاسمها المشترك: ''حسبما تقضي به الأنظمة والتعليمات''!
حل نظام المنافسات والمشتريات الحكومية (1427هـ) محل نظام تأمين مشتريات الحكومة وتنفيذ مشاريعها وأعمالها (1397هـ), فالطفرة الأولى كانت في ظل النظام القديم والطفرة الثانية في ظل النظام الجديد, وبينهما ما يزيد على 30 سنة, وجاء في المادة الأولى منه ''يهدف هذا النظام إلى:
أ - تنظيم إجراءات المنافسات والمشتريات التي تقوم بها الجهات الحكومية ومنع تأثير المصالح الشخصية فيها, وذلك حماية للمال العام.. ''. النظام حديث نسبيا, ويفترض أنه قد أخذ في الحسبان سلبيات الماضي وتطلعات المستقبل.
المقاول الوطني والمنتج الوطني والعبارات المتشحة بالنوايا الحسنة, لن تحقق في كل الحالات الأغراض المقصودة منها. المقاول الوطني الذي يأكل الكعكة من قيمة العقد ويعهد بالمشروع لمقاولي الباطن ومخالفي نظام الإقامة, ويترك لديهم دفترا من المطبوعات مختوما مسبقا؛ ليسيروا أعمال المشروع, هذا المقاول ومنهم على شاكلته ليسوا جديرين بالمشاريع الوطنية. كما أن الموظف الحكومي المشرف على المشروع المنشغل بترقيته؛ قد لا يكون قادرا على مهمة كهذه! إذا أحسنا النوايا؛ هل تأهيله الفني, والتدريب الذي حصل ويحصل عليه متناسب مع طبيعة المشروع وتكلفته؟
كتب نبيل المبارك في الأسبوعين الماضيين عن قطاع المقاولات في المملكة, واقترح إبعاد الجانب الحكومي عن إدارة المشاريع وتمنى أن تكون هناك شركة مستقلة لإدارة المشاريع الحكومية, حديث صريح وجدير بالتأمل؛ وأرجو أن تجري ''الاقتصادية'' استفتاءً, إن لم يسبق لها ذلك, عن مدى رضا المواطن عن المشاريع الحكومية التي يتم تنفيذها. تكاد تكون الثقة منعدمة في أن تستكمل المشاريع في وقتها المحدد, وبالجودة المطلوبة. المشكلة ليست في الشركات المنفذة فقط, المشكلة في الإجراءات التي أوصلتهم إلى الفوز بهذه المشاريع, والآلية التي تتم متابعتهم من خلالها. لماذا تنجح مشاريع ''أرامكو'' والهيئة الملكية للجبيل وينبع؟ فتش عن القوانين, واللوائح والآليات وشروط التعيين وسلم الرواتب!
ربما نكون في حاجة إلى هيئة وطنية للمشاريع الحكومية, تضع شروط ومواصفات المنافسات الحكومية بالتنسيق مع الجهات المستفيدة, وتكون مسؤولة عن ترسية هذه المشاريع, ومتابعة تنفيذها حتى يتم تسليمها للجهات الحكومية. قد يمنحنا التخصص فرصة لتوحيد الإجراءات والمعايير, وتخفيف أعباء بعض الأجهزة الخدمية, واستقطاب كفاءات واعدة وفق نظام العمل بعيدا عن نظام الخدمة المدنية. هيئة حكومية بمنهجية القطاع الخاص.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي