قانونية اختراع «تنظيم»
ظهر في الآونة الأخيرة في البيئة التشريعية السعودية كائن جديد اسمه ''تنظيم'' بارتكاز على المادة 24 الفقرة 2 من نظام مجلس الوزراء، كما يدل تطعيم ديباجة التنظيمات بعبارة ''وبعد الاطلاع على الفقرة 2 من المادة الرابعة والعشرين من نِظام مجلِس الوزراء''. في دلالة واضحة على أن التنظيمات ليست ''نظاما'' أو ''لائحة'' وهما من الأدوات التشريعية المعتادة، بل شيء آخر إذ لو كان التنظيم شقيقا للأنظمة أو اللوائح لتم الارتكاز على مادة أخرى غير المادة 24. ولهذا، يبقى تساؤل نظامي يتمحور حول نظامية استصدار ما يسمى التنظيم تحت غطاء المادة 24؟ بالطبع معالجة هذه الجزئية لا يمكن أن تكون مختصرة لكن ما تبقى من هذه المقالة قراءة أولية لهذا الموضوع.
بداية، المادة 24 تنص على التالي: ''للمجلس باعتباره السلطة التنفيذية المباشرة المهيمنة التامة على شؤون التنفيذ والإدارة، ويدخل في اختصاصاته التنفيذية الأمور الآتية.... 2: إحداث وترتيب المصالح العامة''.
إن عبارة ''ترتيب المصالح العامة'' التي وردت في المادة 24 عبارة عامة جدا وتكفي لكل شيء وأي شيء، ولو أطلقت على عنانها لاقتضى ذلك أن تكون مانحة لأي صلاحية وهذا لا يمكن تصوره. كما أن ''عنونة'' المادة 24 بالشؤون ''التنفيذية''، وما قبلها من مواد بالشؤون ''التنظيمية'' يفيد حتما مقاصد مختلفة للمشرع. لذلك، لوضع المادة 24 في الإطار السليم يجب ألا تقرأ بمعزل عما سبقها وعما يليها من مواد، فنظام مجلس الوزراء حزمة واحدة من الصعوبة قراءة بعض منه بعزلة تامة عن بقية أجزائه، ولهذا فعند غموض بعض النصوص يسترشد ببقية النصوص لتوضيح المعنى لمعرفة المغزى من النص الغامض. في تسلسل هرمي جميل لنظام مجلس الوزراء، تم النص على الشؤون التنظيمية بأبنائها المعروفين الأنظمة واللوائح بداية من المادة 20. تحت عنوان ''الشؤون التنظيمية'' فتفتتح المادة 20 الحديث عن التشريعات بأن الأنظمة تصدر بمرسوم ملكي، وتنعطف لتقرر الدراسة والمداولة للأنظمة واللوائح تحت قبة المجلس والتصويت على المواد، مادة مادة، ثم تقرر المادة 22 أحقية كل وزير لاقتراح ما يراه مناسبا من نظام أو لائحة. وتنتهي أرضية التشريع في المادة 23 بالنص على النشر في الجريدة الرسمية. تمركزت تلك المواد وتمحورت على تخلق ونشأة ''الأنظمة واللوائح'' وكيفية إخراجها بشكل نهائي.
بعد ذلك التعاطي مع شؤون التشريع، وفي تسلسل منطقي، انتقل النظام إلى أرضية متاخمة للتشريع، وهي متابعة ما بعد الإخراج النهائي للأنظمة واللوائح، فتحت عنوان ''الشؤون التنفيذية'' تبدأ المادة 24 بتقرير أن المجلس هو السلطة التنفيذية المهيمنة على شؤون ''التنفيذ والإدارة''، ومن بينها (1) مراقبة تنفيذ الأنظمة واللوائح والقرارات. (2) إحداث وترتيب المصالح العامة ومتابعة تنفيذ الخطط العامة.. مفهوم هذا النص يوحي بأنه بعد ولادة النظام أو اللائحة، يأتي دور لاحق لمجلس الوزراء وهو المتابعة والمراقبة لتنفيذ ما صدر عنه، كما تدل الفقرة رقم 1 من المادة 24. يفترض – تسلسلا - في الفقرة رقم 2 من المادة 24، أن تكون معنية بشأن يعقب أو يكمل ويتمم الفقرة رقم 1 أو أن تكون مضيفة لشيء آخر يندرج تحت غطاء ''الشؤون التنفيذية''، لما بعد إصدار الأنظمة واللوائح. فلا يتصور تنفيذ ما لم يتم إنشاؤه بعد. فالتنفيذ لاحق لأمر تم تقريره. وعليه، فالسياق الهرمي لهذه الفقرة يوحي بأن المقصود بترتيب المصالح العامة هو تقرير وترتيب شأن إجرائي لأمر تم تقريره بموجب نظام أو لائحة، ومن الصعوبة أن يكون هذا النص هو الرحم الملائم لاستيلاد ''تنظيم'' ما يؤسس لحقوق والتزامات جديدة، فالتنظيم - يفترض وفقا لهذه القراءة - أنه شأن تنفيذي لا بد من ربطه بنظام أو لائحة تم تقريرها مسبقا. فإن كان هذا هو ما يحدث، فالتنظيم إذا شأن تنفيذي أو رقابي وليس وثيقة قانونية تؤسس لحقوق والتزامات جديدة، فالالتزامات والحقوق تنشئ بموجب المواد 20 ـ 23 ، وليس بالمادة 24 وديباجة التنظيمات التي صدرت لا تذكرنا بتلك المواد.
وعليه، فقراءة المادة 24 إلى الآن لا توحي بملاءمة تلك المادة لأن تمنح ''التنظيمات'' الحق بأن تكون بمثابة الشقيق الشرعي للأنظمة أو اللوائح. هذه قراءة عجلى أظنها تستحق التمعن، حتى لا نصادف دعوى أمام المحكمة العليا تطالب بنقض ''تنظيم'' ما، أو بتعويض ضخم، لأن الكيان المسمى تنظيم لا مكان له من الإعراب التشريعي.