التطوير الشامل
أسهم تقديم قروض صندوق التنمية العقارية للمواطنين ومنحهم الأراضي البلدية - بشكل انفرادي - في تأخر ظهور أسلوب التطوير الإسكاني الشامل. كما عمل على اعتياد الأسر على تبني التطوير الإفرادي لمساكنهم، وإقبالهم على الإفراط في توفير الخدمات الترفيهية والاجتماعية – التي لا تستخدم بشكل يومي - داخل وحداتهم السكنية. كما أن الإهمال في توفير أراضٍ للخدمات المشتركة (مثل: ملاعب الأطفال؛ حسب مستويات أعمارهم، والمسابح، وقاعات الولائم والمناسبات، وصالات الاحتفالات) في مرحلة تخطيط الأحياء، وتخصيص أراضي الخدمات فقط للمساجد والمدارس والحدائق؛ دفع بالسكان إلى الإفراط في المساحات؛ من أجل توفير الخدمات التكميلية والترفيهية داخل حدود الوحدة السكنية، وهو ما يشكل عبئاً مالياً يثقل ميزانيتها، ويعيق مبدأ جعل المسكن ميسراً.
كما أن تطوير المساكن بشكل إفرادي يؤدي إلى تركيز الاهتمام بتطوير قطعة الأرض السكنية وكأنها جزيرة مستقلة عن بقية الحي، وإلى إهمال العناية بالفراغات الخارجية المشتركة بين المساكن. ويقود هذا الأسلوب إلى عدم الاكتراث بحالة الحي، وهو ما يعجل بتدهوره، وتدني مستواه الجمالي، وتردي المرافق والخدمات العامة فيه. كما أن عدم تطبيق التطوير الشامل يطيل المدة اللازمة لاكتمال الحي، وامتداد فترة تنفيذ المباني والمرافق والخدمات فيه إلى عشرات السنين، جاعلاً من الحي ورشة عمل لا تتوقف ومسببة الإزعاج المستمر للسكان والمضايقة الدائمة لهم. بينما يؤدي تبني أسلوب التطوير الإسكاني الشامل إلى جعل الأحياء السكنية تتمتع بمحيط عمراني منسق وجميل، ويمنح سكانها كثيرا من الفراغات والعناصر المشتركة التي تفي باحتياجاتهم، ويضمن إنهاء أعمال الإنشاء في فترة وجيزة، وهو ما يسهم في توفير بيئة سكنية مريحة وخالية من الإزعاج. إن سعي كل أسرة إلى توفير كامل الخدمات ضمن فراغات مسكنها – في الأحياء التي لم تحظَ بالتطوير الشامل - يؤدي إلى كبر المساكن، كما يتطلب توفير قطع أراضٍ بمساحات كبيرة، ومن ثم ينعكس كل ذلك على زيادة التكلفة؛ لذا فإن توفير الخدمات المشتركة (مثل: صالات الحفلات أو المناسبات، وملاعب الأطفال، والمسابح، والحدائق، وغيرها من الخدمات الترفيهية) وتطويرها ضمن مناطق خارجية مشتركة، من شأنه أن يشكل عاملاً أساسياً في جعل المسكن ميسراً، وجعل البيئة السكنية جيدة ومريحة، خصوصاً إذا صممت الفراغات الخارجية المشتركة ونفذت لخدمة السكان بكفاءة وفاعلية.يتطلب العمل على جعل المساكن ميسرة وفي متناول الجميع أن نقصر عناصرها ومكوناتها على ما هو أساسي لتأدية أنشطة الأسرة المعيشية، أما العناصر الأخرى المتعلقة بالترفيه والمناسبات الاجتماعية غير اليومية (كالمجالس والصالات الكبيرة التي تستخدم للمناسبات والحفلات، وملاعب الأطفال والمسابح، وغيرها من الخدمات الترفيهية)؛ فيمكن توفيرها بوصفها عناصر وخدمات مشتركة على مستوى الحي أو المجموعة السكنية، على أن تقدم خدماتها للسكان بتكلفة غير ربحية؛ لذا يتعين العمل على تبني مبدأ التطوير الشامل؛ حتى تأخذ الفراغات والخدمات المشتركة نصيبها من العناية والاهتمام، وهو ما سيلغي الحاجة إلى قطع الأراضي السكنية الكبيرة، وسيمكن من تقليص مساحة المسكن إلى الحد الذي يفي بالاحتياج المعيشي اليومي للأسرة، كما ستبعث الأحياء المطورة بالأسلوب الشامل بين سكانها روح التعايش الجماعي، وتقوية العلاقات الاجتماعية الحميمة بينهم؛ ضمن بيئة سكنية تحقق التكافؤ، وتدعم المساندة الاجتماعية.