3 جهات تنفيذية متعاونة تحت إشراف ملك الإصلاح تعيد للشيك هيبته

دون مبالغة كنت يوم الإثنين من الأسبوع الماضي الموافق 15 ربيع الأول 1431هـ المصادف 1 آذار (مارس) 2010، من أسعد الناس، وكأن القرار يخصني وحدي دون غيري من ذوي العلاقة، وذلك عندما خرج قرار مجلس الوزراء حول موضوع الشيكات المرتجعة, الذي وصل أمره حتى إلى الميدان الرياضي، الذي يفترض أنه ميدان الأخلاق والانضباط!
فقد وصلت حالة الشيكات إلى مرحلة من الاستهتار واللامبالاة حد أنه بلغت في عام واحد (2009) نحو 14 مليار ريال بعدد شيكات مرتجعة يقترب من 160 ألف شيك مرتجع خلال 12 شهراً فقط! بمعدل 87.5 مليون ريال لكل شيك مرتجع! منها نحو 67 في المائة لشيكات دون رصيد أو الرصيد لا يكفي! هذا رغم وجود نظام الأوراق التجارية منذ أكثر من 30 عاماً، وتم تشديد العقوبات في أكثر من تعديل حتى وصلت عقوبة إصدار شيك بلا رصيد إلى السجن ثلاث سنوات و50 ألف ريال غرامة مالية، وتتضاعف العقوبة بتكرار الجريمة، كما ورد في المادتين 118 و119 من النظام المذكور. ومع ذلك لم يكترث أحد لهذا النظام! إذن لماذا لا تحترم الأنظمة؟
سبق أن كتبت مقالا قبل أربعة أعوام في هذه الصحيفة تحت عنوان (3 انتكاسات متتالية تُفقد الدولة هيبتها)، بتاريخ 12 تموز (يوليو) 2006، عدد 4657. وسأقتطع مقدمة هذا المقال كما كتبتها في حينه ''أمنية: أن نذهب في الطريق المرسوم إلى النهاية، وألا نخطو خطوة إلى الأمام وعشرا إلى الخلف بسبب ضبابية الصورة والشك بعد صدور القرارات وضغوط أصحاب المصالح، لنبدأ من جديد البحث في مدى سلامة الطريق الذي نسير عليه أو في صحة الهدف، فهي والسير دون هدف وجهان لعملة واحدة''.
وكذلك اسمحوا بأن أقتطع الجزء الأخير من المقال نفسه وهو ''الأمم الحية لا تساوم على مستقبلها لا داخليا ولا خارجياً إذا كان المستقبل واضحا لها أولا، ولا تتعامل مع مشكلاتها الهيكلية بالمعالجات الوقتية وكأنها تعيش يومها فقط. والعامل المشترك من وجهة نظري في تلك الانتكاسات الثلاث أن هناك جهوداً إدارية تنفيذية مخلصة ومضنية للوصول إلى النتائج التي يتمناها الجميع, وهذا ليس محل شك في ظني من أحد رغم بعض محاولات التشكيك. لكن السبب يكمن في عدم معرفتنا على وجه الدقة تعقيدات المشكلة وضروريات التطوير والأسس التي يقوم عليها، وكذلك طرق تسويق الإصلاح المراد الوصول إليه بشكل سليم ومدروس بحيث لا نبدأ إلا ولدينا الدعم الكامل من مختلف شرائح المجتمع. وأقرب مثال يمكن أن يوضح لنا السبب هو مقارنة بسيطة بين تنظيم دول أوروبا مثلا بطولة الأندية الأوروبية السنوية، وكيفية التعامل مع الكرة إداريا وفنيا وسياسيا واقتصاديا، وكيف هي حال الكرة لدينا، ويكيفنا خللا أن كل رئيس ناد لدينا هو صاحب القول والفصل, ويكفي أن نعرف أن هناك كفاءات كروية قتلت في مهدها بسبب ديكتاتورية رئيس النادي. وهذا ينطبق بالضبط على باقي الحالات والنماذج. المسألة في أساسها فكر وخطوط متشابكة يجب معرفة إدارتها بحكمة وحنكة وإصرار بُغية الوصول إلى الهدف. وليعلم الجميع أن الإصلاح الذي نبتغيه هو متداخل اجتماعياً، دينياً، اقتصادياً، وسياسياً، وإذا ما كان هناك قصور في أي من تلك الجوانب فإن مشاريعنا كلها ستنتكس كغيرها، وبالتالي تفقد السلطة هيبتها ووضوح توجهها، لأنه ما معنى أن تخرج قرارات ثم تذهب أدراج الرياح ولا تنفذ، لذلك نحن نقطع إشارة المرور لأنه ''ما عندك أحد'' وبالتالي ''خذ راحتك''. انتهى النقل من المقال السابق.
قرار مجلس الوزراء الأخير لا يتضمن تعديلا في النظام أو تغييرا، إنما وضع آلية تنفيذية واضحة من خلال ثلاث جهات ''يجب'' أن تتعاون لتنفيذه، وهي وزارة الداخلية ووزارة التجارة والصناعة ومؤسسة النقد العربي السعودي ''ساما''. والمميز في القرار أن هناك آلية واضحة تبدأ من ''كاونتر مصرف'' ما عندما يتم تقديم الشيك للصرف من قبل المستفيد من الشيك. فإما صرف الشيك وإما إصدار ورقة اعتراض على عدم صرفه للمستفيد لضمان حقه أولاً. وتنتهي الآلية التنفيذية التي وضعها مجلس الوزراء بالحكم بالسجن لمدة ثلاثة أعوام وغرامة مالية قد تفوق 50 ألف ريال كما نص عليها نظام الأوراق التجارية. عبر مرور ورقة الاعتراض أولا على لجنة الأوراق التجارية بوزارة التجارة والصناعة، حيث أعطيت فقط مدة زمنية محددة لا تتجاوز 30 يوماً للبت في الموضوع، ومن ثم يتجه الموضوع إلى هيئة التحقيق والادعاء التي تتعامل في هذه الحالة مع الحالة كجريمة تستوجب التوقيف الفوري لمصدر الشيك المرتجع من خلال أمر شرطي، وهذا الجانب الإجرائي المنتهي بالحكم القضائي.
أما الجانب الآخر الذي لا يقل أهمية وتأثيرا، فهو الجانب المعلوماتي الذي لا ينتهي بحكم السجن أو الغرامة أو حتى تدبير إصدار صك إعسار لمن استطاع! وإنما يظل تاريخا سلبيا في جبين مصدر الشيك المرتجع على مدى عمره سواء كان فردا أو شركة. وهو الأمر الذي طبق فعلا منذ بداية هذا عام 2010. فكل ورقة اعتراض تصدر من مصرف، تعني أن المعلومة تذهب إلى التقرير الائتماني لمصدر الشيك سواء كان شخصاً طبيعياً أو اعتبارياً. حتى إن تمت تسوية الشيك فهذا يعني أن التاريخ يظل موجودا، حتى إن تمت تسوية الشيك وسداده بعد ذلك. لكن تظل تسوية الموضوع أفضل من الناحية المعلوماتية. فهذا قد يدل على حسن النية في إصلاح أخطاء الماضي. وبالتالي ستظل المعلومة في سجله بعد التسوية خمسة أعوام كحد أدني. في حين أن عدم التسوية للشيك وإعطاء الناس حقوقهم يجعل الملف مفتوحاً دون مدد زمنية كمتعثر في سجله الائتماني، وأعتقد أن الجميع يعرف تبعات هذا التعثر في إعطاء كل ذي حق حقه من قبل هؤلاء المسوفين.
قرار مجلس الوزراء الأخير بتوجيهات من ملك الإصلاح، الملك عبد الله بن عبد العزيز، دلالة على أن هناك إدراكا من أعلى المستويات لأهمية كل جزئية من أجزاء تطبيق الأنظمة على أرض الواقع من خلال تعاون أصبح أمرا لا مفر منه بين الجهات التنفيذية في المملكة. فلم يعد بالإمكان أن تقول جهة ما هذا لا يخصني أو لا يعنيني. الجميع مسؤول في تطبيق النظام على الجميع، حتى تعود الهيبة للأنظمة والنظام. لذلك وجد التنظيم المجتمعي ووجدت الدولة كنظام إنساني ينظم ويكفل الحقوق ويحدد الواجبات، وهو ما يجعلنا مختلفين عن شريعة الغاب! فشكرا للملك ولكل الجهات التي عملت في هذا المشروع بكل إخلاص.
ويكفينا أن نقول على سبيل المثال لا الحصر إن السبب الوحيد دون مبالغة في موت نحو 18 شخصا يومياً في المتوسط نتيجة حوادث المرور في المملكة حسب إحصائية جديدة جعلتنا نحتل المرتبة الأولى عالمياً في نسب الحوادث، هو عدم احترام النظام، الذي لم ولن يُحترم إلا إذا طبق، وأصبح له شخصية واضحة! وشخصية الدول تعكسها شخصية أنظمتها على أرض الواقع. والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي