كيف أبني مسكناً صغيراً؟

سألني أخيرا أحد الأصدقاء أن أساعده لمعرفة كيفية الوصول إلى تصميم مسكن صغير لأسرته، بما أنني أكتب وبشكل مستمر - على حد قوله - عن إيجابيات المساكن الصغيرة، وكأنه يطالبني بمعادلة سحرية تمكنه من الحصول على تصميم لمسكن صغير يناسب أسرته ويحقق لها الراحة التامة بأقل الفراغات المعمارية وبأقصر الطرق. وقد جعلني سؤاله أفكر بعمق في مراحل تحول صحيفة بيضاء في يد المهندس المعماري إلى تصميم لمسكن، وفي كيفية التأكد من أن الرسومات المعمارية بعد تنفيذها على الواقع سوف تحقق لمستخدميها أهدافهم وما كانوا يصبون إليه من تطلعات، وهو - على ما أظن - أكثر ما يخيف ويزعج عملاء المكاتب الاستشارية، فأغلبيتهم يريدون أن يتأكدوا أن الرسومات المعمارية التي يشاهدها على الورق أو على شاشة الكمبيوتر سوف تحقق أحلامهم وتطلعاتهم في مسكن العمر بعد تنفيذه.
إن شراء سيارة جديدة أو مسكن قائم أقل مجازفة من بناء مسكن جديد؛ لأن الراغب في شراء السيارة يستطيع تجربتها قبل شرائها، كما أن مشتري المسكن القائم يستطيع زيارته والتجول فيه أيضاً، أما من يريد بناء مسكن جديد فهو يعتمد بشكل كامل على قدراته التخيلية في تحويل الرسومات المعمارية إلى واقع تخيلي لا يضمن صحته بشكل مطلق. وبعد التفكير في سؤال الصديق بخصوص المعادلة السحرية لتصميم مسكن صغير مناسب للأسرة وراحتها ويكون محققاً لاحتياجاتها؛ أجبته بأنه لا توجد معادلة معمارية أو خطوات محددة يمكن اللجوء إليها للوصول إلى تصميم مسكن صغير يحقق متطلبات أسرته ويوفر لها الراحة، ولكن هناك عددا من المفاهيم أو القواعد العامة التي تحقق مراعاتها الهدف المنشود.
تعنى القاعدة الأولى «في البحث عن المعلومة»، لفهم أبعاد العمل المعماري واستيعابه، مثل خصائص الموقع «المشتمل على: الطبوغرافية، والمباني المجاورة، والعناصر البيئية، وغيرها»، وكذلك متطلبات المستخدمين واحتياجاتهم، وهو ما قد يغفله بعض المعماريين في تعاملهم مع عملائهم، فبدلاً من معرفة خصائص الأسرة والسؤال عنها «مثل: عدد أفراد الأسرة، وجنسهم، وأعمارهم، وطريقة معيشتهم، وأسلوب حياتهم، وتطلعاتهم، وأحلامهم، وغيرها من الخصائص» يلجأ بعض المعماريين إلى السؤال عن عدد الغرف التي يريدها العميل وعن مساحاتها. يجب التنبه إلى «أن التصميم الجيد هو خلاصة الفهم الجيد للمشكلة المعمارية». أما القاعدة الثانية فتدعو إلى إعطاء التصميم الوقت الكافي لينطلق بشكل مبتكر من واقع احتياج الأسرة، ويتطور باستمرار ليحقق أحلامها وتطلعاتها؛ لأن التصميم المكتمل من البداية يستعصي على التعديل أو التحسين أو التطوير. كما يلزم العميل عدم القبول بتعديل تصاميم معمارية سابقة لدى المكتب، أو القبول بأول مقترح تصميمي يعرض عليه مهما استحسنه ورضي عنه.
وتوجه القاعدة الثالثة إلى تصميم العلاقات الوظيفية من الداخل إلى الخارج، بما يتوافق مع حياة الأسرة وأسلوب معيشتها، في كل عنصر من عناصر المسكن ومكوناته وطريقة استخدامهم له، مع العناية بتصميم التفاصيل الدقيقة لجميع مكونات المسكن من قواطع العناصر والفتحات المتكونة بينها من أبواب ونوافذ، وطريقة ترتيب الأثاث الثابت والمتحرك، وتوزيع عناصر الإضاءة والمفاتيح الكهربائية، وغيرها، قبل الوصول إلى التصميم الخارجي لمبنى المسكن وتكوينه النهائي. أما القاعدة الأخيرة فأُكد فيها أهمية عدم تردد العميل في سؤال المعماري عن كل ما خفي عليه أو لم يتضح له من البداية، أو في كل خطوة من خطوات التصميم؛ لأن جزءا من عمل المهندس المعماري أن يجعل الرسومات توضح جميع مقاصد التصميم للعميل، خصوصاً أن هناك عديدا من الأدوات «مثل: الرسومات ثلاثية الأبعاد، والمجسمات» التي يستطيع أن يستخدمها المعماري لتوضيح التصميم وتمكين العميل من استيعابه. هذه هي القواعد التي حدثت السائل عنها وأحببت أن أقدمها للقراء الأعزاء، عسى أن يجدوا فيها النفع والفائدة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي