الأرباح.. لا بد من متابعة صرفها
تصادف هذه الفترة من كل عام بداية موسم توزيع أرباح الشركات المساهمة السعودية عن أعمالها خلال العام السابق والتي باتت تشكل مصدراً رئيساً لدخل شريحة كبيرة من المجتمع، لا سيما بعد أن تضاعفت أعداد الأفراد المستثمرين في السوق المالية، إذ إن غالبية أولئك المستثمرين لا ينشدون من وراء مشاركاتهم المضاربة في السوق، بل الحصول على عوائد مستقرة ودائمة يمكن الاعتماد عليها، بعد الله تعالى، في تدبير شؤون حياتهم في نسق مستقر وكريم. ومن ثم أصبح من الضرورة أن يكون هناك تنظيم لضبط توزيع تلك المبالغ وفق آليات موحدة تضمن حصول المساهم على أرباحه فور استحقاقها دون مشقة أو حتى الحاجة إلى تقديم طلب صرفها.
ذلك الموضوع كنت قد تناولته مرات عدة على صفحات «الاقتصادية»، أولها كان في 20/1/1426هـ تحت عنوان «الأرباح متى تصل لأصحابها؟» عرضت فيه جوانب من معاناة المساهمين في سعيهم للحصول على حقوقهم. ولعل من الإنصاف أن نشير هنا إلى أن تلك المعاناة قد تقلصت في السنوات الأخيرة بشكل ملموس، لكن رغم ما تم من خطوات إيجابية، لا يزال ملف توزيع الأرباح فيه من القضايا ما يدعو لمزيد من التنظيم والمتابعة. من بين تلك القضايا التباين الشاسع في تواريخ توزيع الأرباح بين شركة وأخرى، وكذلك فترات توزيعها. فمن الشركات من توزع أرباحها بعد شهرين فقط من انتهاء سنتها المالية، ومنها من تؤخر ذلك الواجب إلى منتصف العام أو أكثر، على رغم تشابه النشاط أو التماثل في حجم العمل. كما أن هناك شركات تبدي اهتماما في كسب رضا مساهميها بانتهاج سياسة نشطة في توزيع الأرباح بنهاية كل ربع من السنة، بينما هناك شركات أخرى لا تبدي الاهتمام ذاته وتحتفظ بالأرباح حتى نهاية العام.
صحيح أن توزيع أرباح نهاية العام لابد أن تسبقه موافقة الجمعية العمومية للشركة، وأن انعقاد الجمعية العمومية يتطلب نشر الحسابات الختامية في الصحف ثم موافقة وزارة التجارة والصناعة، لكن ذلك ليس مبرراً كافيا لتأخير صرف أرباح المساهمين. إذ إن تلك الخطوات ينبغي ألا تستغرق أكثر من أيام معدودة في ظل شبكة الاتصالات المتطورة. ومن المؤسف أن معظم الشركات المساهمة لا تزال تتمسك بالمواعيد التي اعتادتها نفسها لعقد جمعيتها العمومية منذ نشأتها يوم أن كان البريد المسجل وسيلة الاتصال بالآخرين. بينما اليوم أصبح التواصل إلكترونيا متاحاً مع جميع الأطراف المعنيين بعقد الجمعية العمومية، بما في ذلك وزارة التجارة والصناعة، هيئة السوق المالية، الصحف، المساهمين، أعضاء مجلس الإدارة، المحاسب القانوني وغيرهم. فلماذا يا ترى لا نجير تلك المنافع التقنية الجديدة لصالح المساهمين ومن ثم عقد الجمعيات العمومية في وقت مبكر لا يزيد على شهرين مثلاً من انتهاء السنة المالية، وأن تصرف الأرباح قي اليوم التالي لانعقاد الجمعية؟ إن ما يجري حاليا على أرض الواقع فيه إجحاف كبير للمساهمين، إذ لا تكتفي الشركات بتأخير مواعيد انعقاد جمعياتها العمومية، بل إنها تضرب آجالاً بعيدة لصرف الأرباح المستحقة.
ثم إن هناك جانبا آخر من المعاناة في ملف توزيع الأرباح ينبغي بسطه أمام نظر هيئة السوق المالية. إذ على الرغم من امتثال الشركات بإيداع مستحقات المساهمين مباشرة في حساباتهم المربوطة بمحافظهم الاستثمارية لدى شركات الوساطة، فقد نشأت حالة من الارتباك لدى بعض المساهمين في معرفة ومتابعة تلك المبالغ. ذلك أن تلك الإيداعات تتم على نحو غير منتظم وفي تواريخ مختلفة تتغير من عام إلى آخر ما قد يفضي إلى ضياع مستحقات المساهم دون أن يعلم أنها لم تصل أصلا لحسابه. ومن الأمثلة اللطيفة التي يمكن الاستشهاد بها في ذلك السياق أن أحد المساهمين اكتشف أخيرا، وبالمصادفة، من خلال تصفحه لشبكة الإنترنت أن اسمه مدرج في قائمة منشورة ضمن موقع إحدى الشركات القيادية المساهمة تطلب من بعض المساهمين مراجعتها لتسلم مستحقات قديمة لهم لا تزال باقية في ذمتها!
إن معالجة ذلك الجانب من ملف توزيع الأرباح أمر في متناول هيئة السوق المالية، وهناك عدة خيارات لتلك المعالجة لعل أيسرها استخدام الشركات المساهمة تقنية الرسائل النصية عبر الهاتف الجوال أو البريد الإلكتروني لإبلاغ كل مساهم بمبلغ أرباحه الذي تم إيداعه في حسابه.
لقد خطت الهيئة خطوات محمودة في تطوير ومراقبة السوق، وعسى أن تبادر إلى تبني ما طرحناه هنا من خطوات لما فيها من حفظ لحقوق المساهمين وحماية لمصالحهم.