آفة التعصب

التعصب للجنس.. للون.. للرأي.. إلخ، كلها وجوهٌ قبيحة تطل على واقع الناس من حين لآخر، لتخلق فرقة من بعد لُحْمة، وعداوة بعد محبة، وقسوة بعد رحمة..إلخ.

ورغم سابق معرفتنا بأخطار التعصب على الفرد والمجتمع، إلا أننا نقع في فخاخها المُحكمة تباعا، إذ كلما برئنا من لدغة ننسى أو نتناسى، لنلدغ مرة ومرات، وكأن من قدرنا أن نبقى داخل تلك الحلقة المفرغة بلا تعلم أو اعتبار.

من المعلوم يقيناً، أن الحياة لا تصلح بفرد، ولا بأفراد متفرقين، صحيح أن البشر لم يُخلقوا على هيئة واحدة، لا لوناً، ولا علماً، ولا قوة..إلخ، ولكن المتأمل في هذا التنوع والتباين يجده أمضى وسيلة نحو الترابط والتكامل، لا التناحر والاختلاف.

لقد خُلقنا في حالة شوق دائمة نحو تحقيق الاكتمال، ومن عجب أن تلك الحاجة لا تُلبى إلا بالتصاق فرد بفرد، أو فرد بمجموعة أفراد.. وهكذا، وكأن من قدرنا أن نعيش في احتياج مستمر لبعضنا البعض، كي يتعطش كل منا إلى الوحدة والترابط، في مشهد فطرى يعلن عن ثورة تلقائية على كل صور الفردية والتشرذم.

ولأن البعض لا يروق لهم أن تمضي الحياة على هذا النسق الجميل الذي لا مجال فيه '' للأنا ''، فإنهم لا يدخرون وسعاً في إثارة الضغائن والفتن، ولكن ليس بالقرع على طبول الحرب كما الحال قديماَ، وإنما بالعزف المُتقن على النزعات الفردية والفئوية، مع إلباس ما يقومون به ثوب الحرية، أو التعددية، أو إعمال الرأي والرأي الآخر، أو ما شاكل ذلك من مفردات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.

والحقيقة أن حيل الناخرين في لُبٍّ التماسك بين الناس كانت ذكية للغاية، فمن نقطة التنوع في الرؤى، واختلاف وجهات النظر، انطلقوا لا ليجعلوا من ذلك طريقاً لإثراء وتعميق التجارب الإنسانية التي تصب في صالح المجموع، وإنما ليجعلوا التباين بين البشر وسيلة لإثارة الأحقاد والفتن، وسكيناً لتقطيع المجتمع إلى تحزبات يُنتصَرُ لها ولو على حساب الحقيقة المجردة.!

إن لكل متأمل أن يبحث في أساس الاختلاف بين الأفراد أو الجماعات في أي بقعة من العالم، وسوف يصل في النهاية إلى سبب ربما أوحد في توتر العلاقات، وتمزيق الصداقات، وتفريق العائلات، ألا وهو بذرة، سُقيت بماء العصبية، وغُذيت بقوت الأنانية، ثم استظل بها أقوام استغناءً واستعلاءً على غيرهم من الناس.

بقيت كلمة.. لما جاء الإسلام وجد العرب مجرد قبائل متناثرة لا رأي لها، ولا شأن، ولا قوة، ولا اعتبار، فلما صاغ الإسلام تلكم الوصفة السحرية التي لملمت هذا الشتات على أسس من العدل والمساواة، مع احترام حق المناقشة وإبداء الرأي والمجادلة بالتي هي أحسن، تبدل الحال غير الحال وصارت دولة الإسلام دولة عظمى لم يعرف التاريخ لها مثيلا.. فليت كل المتشاحنين .. والمتخاصمين.. والمتقاتلين.. يعقلون!!. ''.

* "هذه المادة منتقاة من "الاقتصادية الإلكترونية" تم نشرها اليوم في النسخة الورقية"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي