عشرون سلاحاً للقتل
( 1 )
ورد عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: لو كان الفقر رجلاً لقتلته.
عرف مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية المنعقد في كوبنهاجن سنة 1995 «الفقر» بأنه: الافتقار إلى الدخل وموارد الإنتاج الكافية لضمان وسائل العيش بكيفية مستمرة والجوع أو سوء التغذية وسوء الصحة والوصول المحدود إلى التعليم وغيره من الخدمات الأساسية أو الافتقار إليها وازدياد معدل الوفيات الناجمة عن الأمراض والتشرد والسكن غير الملائم والبنيات غير المألوفة والتمييز الاقتصادي والاجتماعي، كما يتسم بعدم المشاركة في صنع القرار وفي الحياة المدنية والاجتماعية والثقافية.
( 2 )
إن الفقر الذي نواجهه بالسعودية ليس فقراً في الموارد، وإنما فقراً بالإدارة ذي ثلاثة أقسام، القسم الأول فقر اختاره المواطن بسبب سوء إدارته لموارده الذاتية، أما بسبب افتقارنا في العموم لتنشئة اقتصادية فنستطيع وضع ميزانية قائمة على إمكاناتنا المتاحة والالتزام بها مع ادخار الفائض، والسبب الثاني تسابقنا نحو الاستهلاك التفاخري، والسرف، والمخيلة، ومحاكاة الميسورين والأغنياء الذي يضغط معنوياً بعض منهم على بقية المجتمع، والسبب الأخير ارتكاب مقامرة كبرى للإثراء السريع بالاستثمار في أسواق عالية المخاطر مثل سوق الأسهم أو المضاربات العقارية غير المرخصة أو توظيف الأموال بشركات النصب والاحتيال وتلبيس الطواقي.
( 3 )
القسم الثاني فقر لم يختاره المواطن، ولكن لم يسع لتغييره، والله استودع الناس قدرات، واستعدادات، ومواهب هائلة، وطلب منهم تحمل مسؤولية الحركة باستثمار تلك الثروات المكنوزة بقوله تعالى «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» سورة الرعد (آية 11). ويقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير». رواه مسلم.
ويقول السيد: روبين سيفر لينج: «إن عشرة قروش وكيلو من الذهب تكون لهما نفس القيمة إذا تركت لتصدأ في قاع المحيط، إن الاختلاف في القيمة يظهر فقط عندما تستخرج هذه العملات وتستخدمها فيما صنعت من أجله عندها ستصبح قيمتك حقيقية وصالحة ورائجة عندما تتعلم الوصول إلى ما بداخلك والانتفاع من الأشياء الهائلة الكامنة فيك».
كم منا يبحث لنفسه أو لأولاده عن «القيمة المضافة» أي التميز الذي يستطيع من خلاله التفوق وتحسين دخله عبر الاستثمار في ذاته وأولاده بالتعليم النوعي والقراءة الحرة والتدريب لاكتساب المهارات الفنية أو الإدارية كالاتصال، والعرض، والتقديم، وتحويل للأفكار لبرامج عمل، وإعداد الموازنات التخطيطية، ومهارات العلاقات العامة، وصناعة الانطباع الإيجابي، بالإضافة إلى تعلم اللغات وتقنيات الحاسب الآلي، فضلاً عن الاشتراك بالمجلات المتخصصة، أعرف أن هذا صعب شيئاً ما على ثقافتنا لكنه الطريق الأكيد - بإذن الله - الذي حقق نجاحاً لكثير من السعوديين والأجانب الذين إذا التفت حولك وجدتهم نجحوا بالإمكانات المتاحة، وهم يعيشون معك ذات الظروف، ولكن عليك القراءة بعلم إدارة الذات «الشخصية» والالتزام، والمثابرة، والصبر، والتضحية بالأهواء، والملذات الشخصية، وأن تكف أن تبكي على الماضي أو هدر الطاقة في تحميل مشكلاتك لمحيطك، ولقد وجدت العديد من جيلنا السعودي الصاعد آخذ زمام المبادرة وكتب أداة الذات الأكبر مبيعاً بالسعودية والعالم العربي والشرق الأوسط ... إنهم قد هجروا فقر الذات النفس إلى غير رجعة وتيسير الحال والنجاح مسألة زمن بإذن الله.
( 4 )
القسم الثالث فقر لم يختاره المواطن فسعى لتغييره، ولم ينجح بسبب الإعاقة، أو كثرة الذرية، ورعاية الوالدين، أو نكبات طبيعية، أو مشكلات أسرية عقيمة كالمخدرات، أو السجن لمعيل الأسرة أو الموت والمرض ... فكل تلك الأسباب تجعل من مواجهة الفقر أمراً حتمياً، والسؤال الذي تطرحه كل الدول من أين الموارد المالية؟ وجوابه بالسعودية ليس صعباً فمواردنا كبيرة، والدولة قد رصدت أكثر من 16 مليارا لصندوق الضمان الاجتماعي، فضلاً عن صناديق التنمية، وبنك التسليف والادخار السعودي، والمخصصات الأخرى، إلا أن الإرادة الملكية الكريمة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والذي شهد أعداءه قبل أصدقائه بأنه ملك تميز بأمرين كالشمس في رابعة النهار أولهما أنه وفي صادق اللهجة، والثاني عاطفته الجياشة التي جلبت له محبة الناس بالداخل والخارج دون عناء أجهزة العلاقات العامة .. إن الإرادة الملكية لعلاج الفقر لم تجد طريقها بقوة، ولا أريد أن أحمل المسؤولية جهة محددة بذاتها كوزارة الشؤون الاجتماعية ووزيرها المتألق، فنحن نعلم أن الفقر مشكلة ذات أبعاد يشارك بمستقبلها العديد من الجهات بما في ذلك الغيورون على وحدتنا ومستقبلنا.
( 5 )
أقترح عشرين سلاحاً لقتل الفقر أو تطويقه والحد منه، وتلك الاقتراحات تنطلق من أن الفقر ذو ثلاثة أقسام، كما ذكرت بالمقدمة منه فقر اختيار، والثاني فقر بالنفس والذات، والثالث فقر اضطرار لم يسع إليه المواطن، ولا يستطيع تغييره والمقترحات هي:
1- تخصيص حصة «كوتا» بالجامعات، والكليات العسكرية، والمعاهد الفنية، والابتعاث الخارجي لمحدودي الدخل.
2- إعادة ترتيب أولوية منح القروض والأراضي، وبالذات من صندوق التنمية العقاري بحسب الاحتياج، وليس بحسب ترتيب التقديم.
3- إنشاء شركة مقاولات وطنية عملاقة مع الصينيين مثلاً لبناء الوحدات الاقتصادية الصغيرة لمحدودي الدخل.
4- إقرار الحقيبة المجانية للخدمات الأساسية للكهرباء، والماء، والهاتف، وأية خدمات أخرى، وتحميل تكلفتها عبر زيادة تكلفة الشرائح الأعلى.
5- إعطاء أولوية التوظيف بالقطاع الحكومي بالترتيب مع ديوان الخدمة المدنية للأكثر احتياجاً كمعيار إضافي لبقية المعايير الأخرى. أو تخصيص نظام الحصص «الكوتا».
6- تخصيص نسبة من صافي إيرادات الحسابات الجارية «الودائع المجانية التي لا يتقاضى عليها المودع أرباحا» بالبنوك السعودية وتأسيس إدارات للمسؤولية الاجتماعية لإنفاقها.
7- وضع ضوابط مشددة أو مانعة للإقراض الفردي والتقسيط، ولا سيما لمتوسطي الدخول أو أقل عبر الرقم الموحد للعملاء بالمملكة الذي يظهر المركز المالي للمواطن.
8- تأسيس بنك الطعام لتسلمه وحفظه وتعليبه وتوزيعه للمحتاجين، ويفتتح له فروع بجميع أنحاء المملكة مع الاستفادة من التجارب الناجحة إقليميا ودولياً.
9- تأسيس بنك الملابس لتسلم ومعالجة وتنظيف الملابس، وإعادة تغليفها وتوزيعها للمحتاجين.
10- إعادة هيكلة الزيادات السنوية بنظام الخدمة المدنية بحيث تكون النسبة الأعلى للشرائح الأدنى ثم تقل تدريجياً، لأن المئة ريال لمن دخله ألفان ريال لها أهمية أعلى ممن دخله عشرون ألف ريال وفق قانون المنفعة الحدية.
11- فرض نظام الحد الأدنى للأجور بالقطاعين الحكومي والخاص مع مراعاة التنافسية بالقطاع الخاص.
12- إنشاء الجمعيات التعاونية بالأحياء محدودة الدخل مع تسهيلات ملموسة من الجمارك ووزارة التجارة.
13- إنشاء «200» مركز لإدارة الذات والحياة لإكساب السعوديين مهارات ومعارف تساعد القسم الثاني بالتحديد لتحسين مستقبله المهني والتجاري.
14- إنشاء مجلس أعلى للمؤسسات الخيرية بالمملكة، وذلك لإعداد قاعدة بيانات موحدة واقتسام المناطق والأنشطة لتحقيق فعالية وتركيز أفضل في علاج المشكلات التي تواجه المحتاج وإمكانية القياس، والتراكم، واكتساب الخبرة بدلاً من الجهود المبعثرة والمهدرة.
15- إطلاق جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لمكافأة أفضل مئة سعودي وسعودية سنوياً، قاموا بالتغلب على ظروفهم وصنعوا نجاحات، وذلك لغرض تعميم ثقافة النجاح من خلال نماذج وطنية ملموسة والتخلص من ثقافة رمي المشكلات على البيئة المحيطة.
16- إرسال أفضل معلمينا إلى المناطق والأحياء محدودة الدخل ومنحهم علاوة لتحفيزهم على المشاركة في رفع مستوى أبنائهم، لأنه سيشكل لهم بالمستقبل رافعة من الفقر، فضلاً عن إرساء قيم ومهارات إدارة الذات والحياة وسيكولوجية النجاح لجميع الفئات العمرية من خلال التعليم العام والتركيز على بناء الشخصية، وإن كان على حساب مواد الحفظ والتلقين.
17- إعادة هيكلة مصلحة الزكاة والدخل بفصل الزكاة عن الدخل وإنشاء بيت للزكاة كي يشكل من القطاع الحكومي والخاص والأهلي ليحظى بمصداقية أعلى ومهنية أفضل.
18- تطوير التشريعات والأنظمة والمحاكم ذات العلاقة بالأسرة، وخلق شراكة مع «200» مركز للإرشاد الأسري ستقوم الدولة بإنشائها مع القطاع الأهلي، وتعطي حوافز مادية مغرية لمن يكافح مشكلات المخدرات، والطلاق، والعنف الأسري.
19- خصخصة الصناديق المتخصصة للقروض الصغيرة وجمعها في شركة واحدة في حين تملك الدولة حصة مؤثرة لصناعة السياسات والتأثير فيها مع إدخال شريك دولي.
20- الاستعانة بالمنظمات الدولية في تقديم الاستشارات والاستفادة من تجارب الدول وتأهيل 500 سعودي من القيادات والخبراء والكفاءات عبر الابتعاث، أو التدريب المحلي، أو الدولي للتعاطي مع تلك المشكلات باحترافية، وتعيينهم بالمواقع الحساسة بالعمل الخيري، ثم دفع رواتبهم. تحت مظلة مركز أبحاث الفقر الذي ستقوم الدولة بإنشائه.
( 6 )
إن تلك الحلول وحلولا أخرى لن تجد طريقها للتنفيذ وإنفاذ الإرادة الملكية إلا بدعوة المختصين وأصحاب العلاقة من جهات حكومية وخاصة، وأهلية، ولمدة أسبوع في فندق بالطائف، أو الجبيل، أو أي مدينة أخرى مع إقفال الجوالات والهاتف، وتوافر سكرتارية عالية المهنية، ومركز معلومات أساسي، وذلك للخلوص إلى التوصيات يراعى فيها وضع الحوافز لنقل المواطنين من الرعوية «منح المال» إلى التنمية وفق حزم وعلاجات متناغمة تكفل التغيير الحقيقي للإدارة وأساليب التفكير ثم ترفع للمقام السامي بحيث تكون محددة التنفيذ بفترة زمنية لا تتعدى 36 شهرا ويختار على رأس كل مقترح خبير سعودي لمتابعة التنفيذ مع إنشاء أمانة عامة مرتبطة بالمقام السامي.
ألف مبروك ... لقد قتلنا الفقر.