معاناتنا من العمالة الفنية السائبة والحاجة إلى تنظيمها
لقد أصبحنا اليوم في أمس الحاجة للنظر في ظاهرة تأهيل وترخيص العمالة الفنية السائبة في شوارعنا والتي تحتاج إلى كثير من التنسيق بين الجهات المعنية لترخيصها بعد إجراء الامتحانات اللازمة لها ثم إعطائها شهادات حسب قدراتها. فتكون هناك شهادة متخصص أو خبير أو مبتدئ. ويكون لكل منهم أجرة خاصة حسب العامل أو الساعة.
عندما تجد لديك مشكلة سباكة أو كهرباء أو بناء ودهان فإنك عادة تذهب للعمالة السائبة في شوارعنا. وقلما تذهب لمؤسسات مرخصة فهي عادة تكلفتها عالية. وفي نهاية المطاف ستقدم لك العمالة السائبة نفسها. ولكن المشكلة هي أن هذه العمالة السائبة قد تخرب أو تتلف أكثر مما تصلح. فهي عمالة غير مدربة وغير مؤهلة وتأتي للتعلم على ظهورنا. وقد تصلح موقعا معينا ولكن مستقبلاَ تجد أن هذا الإصلاح أثر على مواقع أو أجهزة وأنظمة أخرى وساعتها تكون التكلفة أكبر عليك.
لقد أصبحنا ورشة عمل ومركز تدريب للعمالة الأجنبية غير المؤهلة ومعظمها يأتي دون شهادات أو مؤهلات ليعمل ويجرب فينا، وعندما ينضج ويصبح ماهرا نجده تعود إلى بلاده أو الدول الأخرى، وقد حصل على التدريب الجيد الذي يؤهله للعمل هناك. عمالة تتجول في مدننا وشوارعها من كهربائي إلى سباك إلى نجار وتدخل بيوتنا دون أي تأهيل أو شهادة تثبت أن لديها الخبرة المطلوبة. وهي عمالة كان الأولى أن تقوم وزارة العمل بالتنسيق مع المؤسسة العامة للتدريب المهني بتنظيمها والتأكد من تأهيلها. والتنسيق مع سفاراتنا، حيث لا تعطى تأشيرة ''فني'' إلا بعد التأكد من صحتها، وأنه مؤهل لتلك الحرفة. وأن يتم التأكد منها عند دخول المملكة وترخيصها وفق شهادات أو بطاقات لمستويات الأداء. وألا تقوم بأية أعمال لدينا إلا بعد ثبات تأهيلها وإبرازها لرخصة مصدقة من الجهات الرسمية لمزاولة العمل في مدننا.
وهذا النظام معمول به ومعروف في معظم دول العالم في أوروبا وأمريكا. فمعظم تلك الدول لا تسمح للفنيين بمزاولة أية مهنة إلا بعد التأكد من تأهيلهم. وبعد اجتياز امتحانات قدرات مهنية دقيقة تحت إشراف هيئات علمية وعملية رسمية. وبعد ذلك يتم الترخيص لهم بمستويات مختلفة. وتنظم العملية حيث ترى الفني عندما يصل لموقع العمل وهو مرتد لباسا واقيا معينا وخوذة ومجهزا بسيارة فيها جميع أنواع المعدات اللازمة وقطع الغيار الضرورية. بعكس ما نراه عندنا. فالفني لدينا يأتيك ويداه فارغتان ويضطر لتأخيرك بالعودة للبحث عن المعدات التي تلزمه أو قطع الغيار. وبذلك يؤخر ويعطل العمل، إضافة إلى تكبيدك تكلفة الذهاب والعودة لجلب تلك المواد.
وعملية التنظيم هذه قد تكون نواة لتشجيع مواطنينا على الدخول في هذا المضمار. فهي أصبحت عملية مربحة ويتقاضى الفنيون منها مبالغ طائلة. إن معدل أجرة العامل أو الفني تصل إلى 100 ريال في الساعة. وعملية إصلاح بسيطة توفر له على الأقل 200 إلى 500 ريال يومياَ. فهي بذلك تصل إلى مبلغ في حدود 15 ألف ريال. وهو راتب لا يحظى بنصفه خريج الجامعة. وبذلك فهي فرصة يجب أن نروج لها ليتم تنظيم المهنة لتكون مغرية لمواطنينا لإحلالهم مكان تلك العمالة، وأن تكون الحلول موجهة إلى توعية وتدريب مواطنينا على المشاركة في عملية البناء والتنمية وخلق فرص لهم للعمل بدلاَ مما نقوم به الآن من حل لمشكلات البطالة في الدول الأخرى. ولتصبح الفائدة مضاعفة من بناء المدن الاقتصادية وبرامج الإسكان فيستفيد منها المحتاج للسكن، وفي الوقت نفسه تدور أموالنا بيننا. وهو دور كبير ومسؤولية كل مواطن للإسهام في التوعية بأهمية العمل، وإنه ليس عيباَ بل مفخرة. وبالطبع يبرز هنا دور الجهات المسؤولة عن التشجيع على التدريب والتعليم، المدارس والجامعات ومؤسسات التدريب المهني، لهذه المهن لنصل إلى الوقت الذي نكون فيه قادرين على البناء بأيدينا ومن زنودنا.
فعندما نرى بعض الدول تتحمس لحل مشكلات الإسكان وبناء المشاريع العملاقة فإن اهتمامها بها له وجه آخر ومهم وهو أن الإسكان يعد موظفا أساسيا وصانعا لفرص العمل لمواطني تلك الدول. وأموالهم تدور بينهم. ففرص العمل في مجال الإسكان كبيرة جداَ وهي من أكبر القطاعات دولياَ. ويكفينا مثالا الصين وكوريا الجنوبية اللتان تصدران عمالة البناء للعالم. وهناك فرص كثيرة سواء في مجال الأبحاث أو العمل في التشييد والبناء والحفر والسباكة والنجارة والصيانة والتسويق والإدارة وغيرها من فرص العمل أو المهن الشريفة والتي يجب أن نفتخر بمن يقوم بها. كما أن عملية البناء تتطلب مصانع ومعارض ومستودعات لمواد البناء والتشييد المتعددة. وأمثالها في قطاعي المقاولات والهندسة. بينما نحن في المملكة لا نستفيد من ذلك فنحن لم نستعد ولم ننم أو نشجع على تنمية مهنة المقاولات والعقار وتدريب وتأهيل العاملين في قطاع الإسكان سواء كعمالة مدربة أو شركات مقاولات أو الشركات المهنية الأخرى التي تدخل في قطاع الإسكان، حيث تدور أموالنا بيننا بدلاَ من أن تتسرب إلى خارج الوطن. لقد أصبحت بعض الدول حولنا تعيش عمالتها علينا. وكان قرار حل مشكلة الإسكان لدينا بشرى خير لهم.
وتشير التقارير الدولية إلى أن تنفيذ ألف وحدة سكنية متوسطة يوفر 2500 فرصة عمل إضافة إلى ما توفره من فرص عمل لمؤسسات السمسرة والتأمين على الصكوك والمباني والمصارف والبنوك ودور التمويل. إضافة إلى المؤسسات والمهن والمقاولين الذين يستفيدون من الاستثمار العقاري بطريقة غير مباشرة مثل شركات التأثيث والأجهزة والأدوات الكهربائية والإلكترونية ونقل الأثاث والتنظيف ومنسقي الحدائق.
إن الاستثمار في تنظيم العمالة الفنية هو مطلب للتخفيف من معاناتنا وسيكون له أثره في التوفير على الوطن والمواطنين، كما أن له دوره الإيجابي في جعل المهن أكثر إغراء لأبنائنا للدخول والمساهمة في بناء الوطن. والتشجيع على بناء العمالة الفنية المحلية هو جزء كبير من الاستثمار في القطاع العقاري والصناعي والتجاري وله أهميته كمحرك للاقتصاد المحلي. وهو عرف عالمي. فهو يلعب دورا كبيرا في تدوير الأموال داخل البلد ويقود اقتصاد الدول في حالات الركود الاقتصادي. فمتى يأتي الوقت الذي نتكاتف فيه لنخدم اقتصادنا بتخريج دفعات مؤهلة لبناء الوطن.