أضواء قانونية على المجلس الأعلى لشؤون النفط والمعادن
في يوم الأحد 9/2/1431هـ الموافق 24/01/2010م، اجتمع المجلس الأعلى لشؤون النفط والمعادن برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وعقب ذلك صرح الدكتور مطلب بن عبد الله النفيسة، وزير الدولة، عضو وأمين عام المجلس الأعلى لشؤون النفط والمعادن، أن المجلس استعرض أوضاع السوق النفطية وحرص المملكة على مصلحة الدول المنتجة والدول المستهلكة، وأبدى المجلس ارتياحه لسير العمل في استثمارات المملكة لتوسعة طاقة إنتاج الزيت الخام وطاقة التكرير لديها للإسهام في تلبية الطلب العالمي وأنها تسير – بإذن الله - حسب الجدول الزمني المخطط لها مع ما تبذله المملكة من جهد في مجال حماية البيئة. ثم تدارس المجلس الموضوعات المدرجة على جدول أعماله واتخذ في شأنها قرارات، منها إقرار خطتا عمل شركة الزيت العربية السعودية (أرامكو السعودية) واعتماد التقريرين السنويين للشركة وحساب الأرباح والخسائر. كما تمت الموافقة على تعيين مراقب حسابات خارجي لشركة الزيت العربية السعودية (أرامكو السعودية) والشركات التابعة لها. كما اطلع المجلس الأعلى لشؤون النفط والمعادن على التقرير الفني والمالي والإحصائي لأنشطة الشركات الحاملة لرخص التعدين. كما ناقش المجلس بعض الموضوعات ذات الصلة بالنفط والمعادن.
ونظراً لما لهذا المجلس من دور مهم وكبير في رسم السياسة العامة للدولة في مجال استغلال وإدارة أهم المرافق الاقتصادية العامة وهو مرفق النفط والغاز الذي يعد العمود الفقري للاقتصاد الوطني، فقد يكون من المفيد أن نسلط بعض الضوء على الوضع القانوني لهذا المجلس من حيث التكوين والاختصاصات. ويحسن في البداية الإشارة إلى أنه في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز، يرحمه الله، صدر أمر ملكي برقم أ/214 وتاريخ 1/11/1392هـ، يقضي بتشكيل مجلس استشاري أعلى يتكون من عدد من الوزراء وبعض كبار المسؤولين، يختص بدراسة الشؤون العامة للنفط والمعادن، وقد ترأس هذا المجلس الملك فهد بن عبد العزيز، يرحمه الله، الذي كان يتبوأ آنذاك منصبي النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية. وكانت صلاحية المجلس استشارية ويرفع توصياته واقتراحاته إلى الملك لتقرير ما يراه بشأنها، أي أن المجلس لم يكن يملك صلاحيات في مجال رسم ومتابعة تنفيذ السياسة العامة في مجال النفط والمعادن. ثم حدث تطور نوعي مهم في هذا الشأن عام 1420هـ، حيث أصدر الملك فهد بن عبد العزيز، أمراً ملكياً برقم أ/212 وتاريخ 27/9/1420هـ انتهى بموجبه المجلس الاستشاري وقضى بإنشاء مجلس أعلى لشؤون النفط والمعادن يتمتع بصلاحيات واسعة في مجال تحديد وإقرار السياسة العامة للدولة في مجال النفط والغاز والمعادن.
لقد قررت المادة الأولى من الأمر الملكي المذكور أن يتكون المجلس برئاسة الملك على النحو التالي:
نائب رئيس مجلس الوزراء ـ نائباً للرئيس، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ـ نائباً ثانياً للرئيس، الأمير سعود الفيصل ـ عضواً، المهندس علي بن إبراهيم النعيمي ـ عضواً، الدكتور إبراهيم بن عبد العزيز العساف ـ عضواً، الدكتور هاشم بن عبد الله يماني ـ عضواً، خالد بن محمد القصيبي ـ عضواً، الدكتور مطلب بن عبد الله النفيسة ـ عضواً وأمينا عاماً للمجلس، الدكتور صالح بن عبد الرحمن العذل ـ عضواً، عبد العزيز بن راشد بن إبراهيم الراشد ـ عضواً، عبد الله بن صالح جمعة ـ عضواً.
ويلاحظ هنا أنه فيما عدا نائبي رئيس مجلس الوزراء فإن معظم أعضاء المجلس من الوزراء المعنيين بالشؤون الاقتصادية من شتى جوانبها المختلفة وهم وزراء الخارجية، البترول والثروة المعدنية، المالية، الصناعة، التخطيط، وإنه تم تعيينهم في المجلس ليس بصفتهم الوظيفية وإنما بصفتهم الشخصية، وهذا يعني أن إعفاء أو استقالة الوزير العضو من منصبه الوزاري لا يعني بالضرورة انتهاء عضويته في المجلس إلا إذا صدر أمر ملكي بذلك. كما أن بقاءه في منصبه الوزاري لا يعني بالضرورة تجديد عضويته في المجلس، فالأمر يعود تقديره للملك. وقررت المادة الثانية من الأمر الملكي أن تكون مدة المجلس أربع سنوات قابلة للتجديد بأمر ملكي، وفي حالة إعفاء أو قبول استقالة أحد الأعضاء يعين من يحل محله بأمر ملكي.
وخولت المادة الثالثة المجلس اختصاصات واسعة في مجال النفط والغاز فجاء نصها كالتالي: (يختص المجلس بالبت في جميع شؤون البترول والغاز والمواد الهيدروكربونية الأخرى، ويشمل هذا الاختصاص على سبيل المثال ما يلي:
1- تحديد وإقرار سياسات واستراتيجيات النفط والغاز والمواد الهيدروكربونية الأخرى في ضوء الظروف والمصالح الوطنية، ويدخل في ذلك تحديد كميات الإنتاج وإقرار خطط تسعير مصادر الوقود واللقيم المختلفة في المملكة.
2- وضع السياسة العامة لشركة أرامكو السعودية ويكون له على وجه الخصوص.
أ- أقرار خطة عمل الشركة الخمسية، بما في ذلك برنامجها لإنتاج الزيت الخام وبرنامجها للتنقيب عن احتياطيات جديدة من المواد الهيدروكربونية وتطويرها.
ب- اقرار برنامج الشركة الخمسي للاستثمارات الرأسمالية المستقبلية.
ج - تعيين رئيس للشركة بناء على ترشيح مجلس الإدارة.
د- تعيين مراقب الحسابات وتحديد مكافأته.
هـ- مناقشة تقرير مراقب الحسابات والمصادقة على الميزانية العمومية وحساب الأرباح والخسائر للشركة.
و- اعتماد التقرير السنوي لمجلس الإدارة وإبراء ذمة أعضاء مجلس الإدارة عن إدارتهم للسنة موضوع التقرير.
ز- تقرير زيادة رأس مال الشركة أو خفضه أو مشاركة الغير فيه.
ح- تحديد مكافآت رئيس وأعضاء مجلس الإدارة.
ط- تخصيص أي زيادة في صافي قيمة حقوق وأصول الشركة على رأس مال الشركة إما لزيادة رأس المال أو للقيد لحساب الاحتياطي.
ي- البت في جميع المسائل الأخرى التي يعرضها مجلس الإدارة.
3- مع مراعاة قصر أعمال الاستكشاف والتنقيب وإنتاج النفط والغاز وكافة المواد الهيدروكربونية الأخرى على ''أرامكو السعودية''، ومع مراعاة نظامها الأساسي يختص المجلس بالبت في جميع أمور الاستثمارات في جميع المراحل اللاحقة للإنتاج ويشمل ذلك الموافقة على الاتفاقات والعقود اللازمة مع الشركات المتخصصة.
4- مع مراعاة مدة اتفاقيتي الامتياز في المنطقة المقسومة والمنطقة المغمورة المحاذية لها يختص المجلس بالبت في جميع أمور الاستثمارات في البترول والغاز وجميع المواد الهيدروكربونية الأخرى في المنطقتين المشار إليهما، ويشمل ذلك الاستكشاف والتنقيب والإنتاج والموافقة على اتفاقات التطوير والتشغيل وعقود الاستثمارات الأخرى مع الشركات المتخصصة.
5- دراسة مشاريع الاتفاقيات الدولية في مجالات النفط والغاز والمعادن.
6- يتولى المجلس متابعة تنفيذ السياسات والاستراتيجيات المشار إليها أعلاه، وله أن يطلب من الجهات المختصة أي معلومات، أو تقارير تعينه على قيامه بأعماله.
7- تحال إلى المجلس جميع الأمور التي تدخل في اختصاصه.
ثم حدث تعديلان مهمان في اختصاصات المجلس في مجال النفط والغاز، الأول بموجب الأمر الملكي رقم أ/240 وتاريخ 10/11/1420هـ الذي قرر (استثناء من الفقرة (3) من البند ثالثاً من الأمر الملكي رقم أ/212 وتاريخ 27/9/1420هـ، يفوض المجلس الأعلى لشؤون النفط والمعادن بالبت في أعمال استكشاف الغاز والمواد الهيدروكربونية الأخرى - عدا البترول - والتنقيب عنها وإنتاجها، ويشمل ذلك الموافقة على الاتفاقيات والعقود اللازمة مع الشركات المتخصصة).
وبناء على هذا التعديل أصبح بالإمكان إسناد العمليات الجديدة المتعلقة باستكشاف الغاز وإنتاجه إلى شركات أخرى غير شركة أرامكو السعودية، وفعلاً تم توقيع اتفاقيات مع عدد من الشركات الأجنبية لاستكشاف وإنتاج الغاز غير المصاحب للنفط في بعض مناطق المملكة.
أما التعديل الثاني فقد تم بموجب المرسوم الملكي رقم م/30 وتاريخ 4/8/1421هـ، إذ تقرر بموجبه أن (يتولى المجلس الأعلى لشؤون النفط والمعادن صلاحيات المجلس الأعلى لشركة الزيت العربية السعودية ''أرامكو السعودية'' الواردة في نظام الشركة الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/8) وتاريخ 4/4/1409هـ وفقاً لتنظيم المجلس الأعلى لشؤون النفط والمعادن الصادر بالأمر الملكي رقم (أ/212) وتاريخ 27/9/1420هـ). وبموجب المادة الثانية من الأمر الملكي آنف الذكر فقد تقرر أن يسري مفعوله بأثر رجعي أي اعتباراً من تاريخ نفاذ الأمر الملكي رقم (أ/212) وتاريخ 27/9/1420هـ الذي نشأ بموجبه المجلس الأعلى لشؤون النفط والمعادن. وبذلك أصبح المجلس هو السلطة العليا المهيمنة على شركة أرامكو السعودية، التي تعد أكبر شركة نفط في العالم.
وحددت المادة الرابعة من الأمر الملكي المنشئ للمجلس المذكور اختصاصات المجلس في مجال التعدين، فقررت أنه (مع عدم الإخلال بأحكام نظام التعدين يختص المجلس بدراسة وإقرار السياسات العامة للتعدين، ودراسة الاتفاقيات والعقود الخاصة بها).
ولم يحدد الأمر الملكي سالف الذكر الحد الأدنى لعدد مرات اجتماع المجلس في كل سنة وإنما نصت المادة السادسة على أن يجتمع المجلس بناء على دعوة من الرئيس، وهذا يعني أن المجلس بعقد اجتماعاته كلما دعت الحاجة إلى ذلك بدعوة من رئيسه، وحددت المادة الخامسة النصاب القانوني اللازم لصحة اجتماع المجلس وصدور قراراته فنصت على أنه (لا يكون اجتماع المجلس نظامياً إلا بحضور أغلبية أعضائه بمن فيهم رئيس المجلس أو أحد نائبيه، ويتخذ المجلس قراراته بأغلبية أصوات الحاضرين، وعند تساوي الأصوات يرجح الجانب الذي فيه الرئيس).
وقررت المادة السابعة من الأمر الملكي أن يكون (للمجلس لجنة تحضيرية يختارها المجلس من أعضائه أو من غيرهم، ولرئيس المجلس تكوين لجان أخرى من بين أعضاء المجلس أو من غيرهم لدراسة ما يراه من أمور).
وحددت المادة الثامنة مقر أمانة المجلس وميزانيته وكيفية الصرف منها حيث قررت أن (يكون مقر أمانة المجلس في ديوان رئاسة مجلس الوزراء، وترصد المبالغ المالية اللازمة للأمانة ضمن ميزانية ديوان رئاسة مجلس الوزراء، ويتم الصرف من هذه المبالغ وفقاً لقرارات المجلس ورئيسه وأمينه العام).
ومما سبق يتضح أن المجلس الأعلى لشؤون النفط والمعادن يعد واحداً من أهم أجهزة الدولة، فهو جهاز يتمتع بذاتية قانونية خاصة ويحظى باختصاصات وصلاحيات واسعة في مجال وضع الخطط ورسم السياسة العامة للدولة في مجال النفط والغاز والمعادن من شتى جوانبها، والإشراف على تنفيذها. وتمكيناً للمجلس من ممارسة اختصاصاته على أفضل وجه فقد ترأسه الملك، وتقرر أن تكون له أمانة عامة لها ميزانية خاصة ضمن ميزانية ديوان رئاسة مجلس الوزراء.