خلاف الفضائيات و«تداول».. مَنْ المستفيد؟
أثار قرار شركة تداول بفرض رسوم جديدة على البث المباشر لأسعار الأسهم خلال التداول على القنوات الفضائية زوابع كبيرة ومواقف رافضة لدفع تلك المبالغ، حيث يلزم القرار القنوات الفضائية بدفع ثلاثة ملايين ريال للبث المباشر، ومليون ونصف المليون للأسعار المتأخرة خمس دقائق، ومجانا للأسعار بعد مرور 15 دقيقة.
والحقيقة أني متوقف عن الكتابة حول سوق الأسهم السعودية منذ فترة ليست بالقصيرة لأسباب شخصية ليس الوقت مناسبا بعد للإفصاح عنها، ويأتي وقت نستطيع التحدث عن الكثير من التفاصيل! ولكن ما أثارني في هذا الموضوع ليس كوني مع القرار وضد موقف القنوات الفضائية الرافض للدفع مقابل الخدمة، وأيضا ليس كوني ضد القرار ومؤيدا للقنوات الفضائية في مواقفها وكونها تريد المساهمة ولكن ليس بهذا الثمن الباهظ.
ولكن الزاوية التي أود التحدث عنها حول هذا الموضوع، التي في اعتقادي ذات أبعاد أكبر من كونها اقتصادية، ولكنها تمس شريحة المجتمع وبالذات هؤلاء الذين دخلوا سوق الأسهم من الأبواب الواسعة التي فتحت لهم، دون وجود مقاعد كافية ودون تخطيط! وخرجوا غير محسوف عليهم بعد أن تمت جمركتهم الأسماك الكبيرة دون وجود نظام يؤطر لقواعد اللعبة. وإن كنت لا أزال عند موقفي السابق من أن الأفراد يتحملون الجزء الأكبر مما حدث لهم ولسوق الأسهم، فاللعبة كانت مكشوفة منذ البداية ولم تكن ''عادلة'' وعليه كان يجب أن يفهموا ذلك أيضا منذ البداية! وقد سبق المطالبة بأن الوقت حان لخروج المستثمرين الأفراد ''العاديين'' من السوق لأن اللعبة أكبر منهم، وثبت عدم قدرتهم على التعامل مع السوق. لا يزال أكثر من 90 في المائة من سوق الأسهم أفراد (عدد)، وتراوحت طوال الأعوام منذ فقاعة السوق وحتى اليوم أعداد المحافظ النشطة بين ما يزيد قليلا على أربعة ملايين محفظة نشطة تبيع وتشترى بشكل شبه يومي (الكل مضارب) إلى أقل من 50 ألف محفظة في فترات من عام 2008م وبدايات 2009م. ولكن وهي حقيقة أن أعداد المحافظ التي تدير السوق وتؤثر في حركة محدودة بل إنها معدودة في بعض الأحيان على أصابع اليدين!
الزاوية التي أنظر منها أو الرؤية التي أرى منها لقضية الرسوم التي فرضتها إدارة تداول على القنوات الفضائية هي أن الإعلام وبالذات المرئي منه لعب دورا واضحا فيما حدث لسوق الأسهم منذ الفقاعة وحتى انهياره وحتى في المحاولات منذ 2006م لمعرفة ما حدث وكيف حدث وما الذي يحدث للسوق، وما المؤثرات الحقيقية التي تؤثر في السوق والتحاليل التي لا يربطها رابط، إلا أنها تتحدث بشكل مباشر على الناس دون أن يكون هناك تحد حقيقي لما يقال إعلامياً عما يحدث في سوق الأسهم. وآخر تلك الأحدث الأزمة المالية العالمية ودور الإعلام في خلق ترابط وهمي ما بين سوق الأسهم السعودية والأسواق العالمية بشكل اسمحوا لي بأن اسمية ربط ''ساذج''. لأن أسواق المال تقوم على التحليل الاقتصادي أولا، ثم الاستثماري ثانياً، يليهما التحليل المالي، وأخيرا وليس آخرا التحليل الفني. ومع الأسف كانت القراءات التي تستقطب وتدغدغ المشاهد وتجعله يتسمر أمام شاشاته تلك التي تقول ولا تحلل أو تثبت أي نظرية. ولكن هل كان هذا الدور إيجابيا؟ هذا سؤال يحتاج إلى بحث متخصص في دور الإعلام في سوق الأسهم السعودية!
وفي ظني أنه لو كتب أن أُجريت دراسة حقيقية وحاولت تلك الدراسة اكتشاف رابط Coloration بين ما يبثه الإعلام وبالذات المرئي خلال فترات التداول لسوق الأسهم وبين الخسائر التي تكبدها سوق الأسهم وفي مراحل المكاسب، فقد نجد أن قناة معينة ساعدت على أن يخسر المستثمرون الأفراد تحديدا مليارات الريالات بسبب تقرير لم يتم تدقيقه بث عبرها أو تحليل يقول ما لا يقال وبكل ثقة! أو بسبب الإصرار على تبرير ما لا يبرر. أو ربط ما لا يربط حتى وإن كان هذا الربط قد يمثل ''برستيج'' معين فقط للمتحدث.
لذا آمل أن تتوقف القنوات الفضائية عن البث المباشر وتركيز ساعات مطولة من البث لسوق الأسهم السعودية بالتحديد ولو مؤقتاً، وآمل أن تتراجع بالتالي رغبة الأفراد في سوق الأسهم المحلية، وإن كان لديهم أموال فائضة يريدون استثمارها أن يكون من خلال جهات مختصة والتي هي شركات الاستثمار الموجودة اليوم، وإن لم تقم تلك الجهات حتى اليوم ما يشفع لها لكسب ثقة الأفراد ليضعوا أموالهم لديها، لأنها لم تقدم منتجات تتناسب مع الحاجات والإمكانات الموجودة لدى الأفراد المواطنين. أعتقد أن شركات الوساطة التي رخص لها من قبل الهيئة بأعداد كبيرة، نجدها اليوم غارقة وغير مدركة لما يجب عمله لاستقطاب العملاء، ولذلك وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات لم تستطع تلك الشركات مجتمعة أن تجمع أكثر من 2 في المائة (2 في المائة تمثل حركة محافظ الملاك لدى تلك الشركات أو بالمجاملة الخاصة جداً!) من حصة سوق التداول! وقد رأينا عددا منهم يخرج من السوق أو يخُرج لعدم الكفاءة! لأن هذا النوع من الأعمال قائم على الكفاءة وليس على أي شيء آخر! ولكن أعتقد أن عددا منها لديه ما يقدمه للمستثمر الفرد. وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح.
جزء كبير من مشكلاتنا اليوم المالية بالذات للأفراد أو الشركات الفردية هي سوء الإدارة والقناعة لدى الكثيرين بعدم الثقة إلا بأنفسنا، وبالتالي يجب أن نقوم بكل شيء! في الختام أتمنى أن تتلاشى الأضواء عن سوق الأسهم وأسواق المال لدينا، وتبقي أسواقاً للمختصين فقط، حتى تصبح حركتها ذات منطق وقابلا للتحليل في صوره كافة. لذا أمل من تداول أن ترفع السعر إلى 30 مليون ريال لكل قناة فضائية بدلا من ثلاثة ملايين فقط. ليس كرها للقنوات الفضائية وليس حبا في شركة تداول لكسب المزيد، ولكن رأفة بالأفراد الذي أثقلت كواهلهم سوق الأسهم. والله من وراء القصد.