طاقة «جديدة» و«متجددة» لكنها «قديمة» و«متقطعة»

سيكون نمو الطلب على الطاقة كبيراً جداً خلال العقود المقبلة لدرجة أنه لا يوجد هناك شيء يمكن تسميته بـ «البدائل». الحقيقة أننا نحتاج إلى كل مصادر الطاقة، لذلك فإن المصادر المتجددة تسد ثغرة مهمة في الطلب على الطاقة، ونحن نحتاج إليها على كل الحالات. ورغم تأييدي لمختلف مصادر الطاقة غير الأحفورية، خاصة الطاقة من روث الحيوانات ومن النفايات المختلفة، إلا أنني ضد مصادر معينة للطاقة التي توجد فقط بسبب الدعم الحكومي لها، وضد القرارات الحكومية الداعمة لمصادر طاقة معينة تماشياً مع «الموضة»، أو لإبهار زوار البلد بـ «صداقته للبيئة». وتشير البيانات إلى نمو كبير في إنتاج الكهرباء من مصادر تعد «متجددة»، مثل توليد الكهرباء من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، خلال السنوات المقبلة، خاصة في أوروبا والصين والولايات المتحدة. وقبل الخوض في التفاصيل، والتي ستذكر في المقال المقبل، لابد من ذكر الحقائق التالية:
1- إن ما يسمى بالطاقة «الجديدة» و«المتجددة» ليس جديداً، وليس علما جديداً. فقد استخدمت طاقات الرياح والشمس والماء منذ آلاف السنين، ولأهداف مختلفة. كما تم استخدام روث الحيوانات للحصول على الطاقة الحرارية منذ القدم. لهذا فهي ليست «جديدة» كما يحلوا للبعض أن يسميها.
2- إن ما يسمى بالطاقة «المتجددة»، وبالتحديد الشمسية والرياح، هي طاقة «متقطعة» لأنها تعتمد على هبوب الرياح وسطوع الشمس.
3- حتى لو افترضنا أن مصادر الطاقة المتجددة هي مصادر بديلة للنفط، فإن النمو الكبير في استخدامها لتوليد الكهرباء، خاصة في الولايات المتحدة، لن يؤثر في النفط بشكل ملحوظ لأن الاعتماد على النفط في توليد الكهرباء قليل. ففي الولايات المتحدة، مثلا، يبلغ اعتماد الكهرباء على النفط 3 في المائة فقط. وأغلب الكهرباء في أوروبا تأتي من الفحم والغاز والطاقة النووية.
4- دور الطاقة المتجددة ما زال صغيرا جداً مقارنة بإجمالي الطاقة المستهلكة، لذلك فإن مضاعفتها ما هو إلى مضاعفة رقم صغير. لذلك فإن هناك إجماعاً على أن دور الطاقة المتجددة حتى بعد عقدين من الآن، سيكون صغير نسبياً. وتتوقع كلا من وكالة الطاقة الدولية وإدارة معلومات الطاقة في وزارة الطاقة الأمريكية، وكلاهما من أكبر الداعمين للطاقة المتجددة، أن يستمر النفط كمصدر أساس للطاقة في العقود المقبلة.
5- إن التقدم التكنولوجي يحصل في كل القطاعات، وليس كما يظن البعض من أعداء النفط والدول النفطية أنه يحصل في قطاع الطاقة المتجددة فقط. الحقيقة هي أن التطور التكنولوجي في مجال النفط مبهر، خاصة أن الصناعة لا تحصل على دعم حكومي والمستهلكين لا يحصلون على إعفاءات ضريبية لاستخدامه، وهي الصناعة التي توسعت خلال 150 سنة الماضية رغم كل حالات الكساد التي مر بها العالم، ورغم كل فترات انخفاض الأسعار التي كان يمكن أن تودي بصناعات أخرى لو مرت بالتجربة ذاتها. إن المنصات البحرية التي تنقب عن النفط أو تنتجه من تحت قيعان البحار، وتتم السيطرة عليها عبر الأقمار الصناعية من غرفة في هيوستن، أو أي مدينة أخرى، أكبر شاهد على عبقرية العقل البشري، وعبقرية العاملين في هذا القطاع.
6- يعتقد البعض أن ارتفاع أسعار النفط سيؤدي إلى تنشيط مصادر الطاقة المتجددة بشكل كبير، ويجعلها مجدية اقتصادياً. هذا الاعتقاد صحيح جزئياً، وضمن ظروف معينة، ولكن التجربة أثبتت أن مصادر الطاقة كافة تشترك فيما بينها في مواد البناء الأولية اللازمة للبناء والإنشاء مثل الأسمنت والحديد والفولاذ وغير ذلك. فإذا ارتفعت أسعار النفط بشكل كبير، فإن الدول المنتجة وشركات النفط تحاول أن تستغل الوضع بحفر مزيد من الآبار، وبناء منشآت نفطية إضافية، وتمديد مزيد من الأنابيب. هذا يعني أن الطلب على مواد البناء الأولية سيزيد، وسترتفع أسعارها. هنا سترتفع الأسعار على جميع مصادر الطاقة. مثلا، زيادة الطلب على حفارات النفط سيزيد الطلب على الفولاذ، الأمر الذي سيرفع أسعار الفولاذ. ولكن أبراج عنفات الرياح مبنية من الفولاذ أيضاً أو معادن مماثلة، لذلك فسترتفع تكاليفها أيضاً. لهذا فإنه ليس بالضرورة أن يجعل ارتفاع أسعار النفط مصادر الطاقة الأخرى مجدية اقتصادياً.
7- إن هناك مشكلات كبيرة تجابه مصادر الطاقة المتجددة، أغلبيتها تتعلق بالتكاليف واعتماد اقتصادياتها بشكل كبير على أسعار النفط والغاز من جهة، والإعانات الحكومية من جهة أخرى. إن أكبر خطر تواجهه مشاريع الطاقة المتجددة لن يأتي من دول أوبك، ولن يكون بسبب انخفاض أسعار النفط، ولكن سيأتي من زيادة إنتاج الغاز الأمريكي وانخفاض أسعار الغاز عالميا. وتعد الولايات المتحدة حالياً أكبر منتج للغاز في العالم.
8- لا شك أن هناك عجزاً في توليد الكهرباء في كل دول الخليج، خاصة في أشهر الصيف. ولا يمكن حل هذه المشكلة ببناء مزيد من محطات الكهرباء التي تعتمد على النفط أو الغاز. استخدام مزيد من النفط سيخفض الصادرات، وبالتالي الإيرادات الحكومية. استخدام الغاز سيؤدي إلى خسائر لأن العائد من استخدام الغاز في مشاريع صناعية أكبر بكثير من حرقه لتوليد الكهرباء. لذلك لا بد من إيجاد حلول أخرى. هل الحل الأمثل هو الطاقة المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية؟ ستتم الإجابة عن هذا السؤال في المقال المقبل، ولكن المشكلة ليست في زيادة التوليد. المشكلة في دول الخليج ذات شقين: الأول يتعلق بالمعروض وهو انخفاض كفاءة توليد الكهرباء أثناء أشهر الصيف، خاصة في المحطات التي تعتمد على الغاز الطبيعي، والثاني يتعلق بالتبذير في استخدام الكهرباء بسبب الدعم الحكومي لأسعارها. إن تحسين كفاءة الإنتاج من جهة، وترشيد الاستهلاك وتحسين الكفاءة في الاستخدام من جهة أخرى، كفيل بحل مشكلة الكهرباء في الخليج لعدة سنوات مقبلة. تكاليف تحسين الكفاءة في الإنتاج والاستهلاك أقل بكثير من تكاليف أي مشاريع جديدة في الطاقة المتجددة. وسيتم في المقال المقبل مناقشة مشكلات تطبيق طاقة الرياح والطاقة الشمسية على أرض الواقع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي