الأعمال المؤقتة مهمة اقتصاديا ومطلوبة اجتماعيا

هناك كثير من القضايا التي تشغل تفكير المواطن السعودي في الوقت الحاضر, ولعل أكثر هذه القضايا وأشدها إلحاحا على تفكيره، هي قضية المستوى المعاشي وكيفية الحفاظ عليه في ظل هذا الكم الكبير من المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية. فالتضخم، وما يتسبب فيه من غلاء في الأسعار، وما ينتج عنه من تدهور في القدرة الشرائية، والارتفاعات الكبيرة والمستمرة في أسعار العقار، وما تؤدي إليه هذه الارتفاعات من تفاقم في مشكلة الإسكان، التي هي أصلا باتت أزمة اجتماعية, يضاف إلى هذه العوامل الاقتصادية جملة من التغيرات والتحولات الاجتماعية التي أنتجت لنا أشكالا ومظاهر اجتماعية صارت هي الأخرى تضغط على الوضع الاقتصادي للأسرة السعودية، وتزيد من الأعباء المالية الملقاة عليها.
في ظل كل هذه الظروف الاقتصادية منها والاجتماعية يتحتم علينا أن نعيد تشكيل كثير من رؤانا الاقتصادية والاجتماعية بالصورة التي تفتح آفاقا جديدة قادرة أن تساعد الأسرة السعودية على التأقلم مع هذه المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية من غير أن يكون لها تأثيرات سلبية على وضعها المعاشي, وما نعنيه بالتأقلم هو ترشيد تعاملنا واستجابتنا لهذه المتغيرات، وليس الاستسلام والانقياد لها من غير أن يكون لنا فعل مؤثر فيها.
ولعل أكثر الأشياء ارتباطا وله علاقة مباشرة بالمستوى المعاشي للأسرة السعودية هو العمل, وليس هذا العامل تختص به الأسرة السعودية وحدها, ففي كل المجتمعات تنظر الأسر فيها إلى موضوع البطالة على أنه التحدي الأكبر لها. ونحن في المملكة اليوم نعيش مثل هذا التحدي، ونحاول أن نعالج موضوع البطالة من جوانب متعددة. فهناك أولا إعادة هيكلة الاقتصاد المحلي لجعله ينتج فرص عمل أكثر عددا وأكثر تنوعا, وإنشاء المدن الصناعية الكبرى وتطوير القائمة منها وتوزيعها على مناطق المملكة كلها توجهات تصب في هذا الاتجاه, وتطوير التعليم الجامعي والتقني هو الآخر جهد يصب في مجال تعزيز فرص العمل المتاحة للمواطن. وهناك السعودة وهي في الحقيقة تحد اقتصادي، واجتماعي، وإداري أيضا, ولا يمكن أن ننجح في مجال السعودة إذا نظرنا لها فقط من جانبها الاقتصادي، وأغفلنا الجوانب الاجتماعية والإدارية فيها. فالسعودة هي ليست قضية إحلال للسعوديين في مجالات ووظائف معينة بل الأهم هو الاهتمام بإتاحة الفرص المهنية والوظيفية للسعوديين وهذا يتطلب مراجعة جادة لكيفية إدارة كثير من النشاطات الاقتصادية. ومن القضايا ذات الصلة بموضوع السعودة والتوظيف عموما والحد من البطالة وعدم تفاقمها بشكل خاص هو تنويع فرص العمل عندنا أن علينا أن نلتفت وأن نهتم بالأعمال والوظائف المؤقتة. فليست كل النشاطات الاقتصادية يفترض تشغيلها بعمالة دائمة ووظائف مثبتة, هناك إمكانية كبيرة في تشغيل هذه النشاطات بأعمال مؤقتة ووظائف جزئية.
إننا نجد العمل المؤقت والجزئي يلعب دورا كبيرا في الاقتصاد المحلي لكثير من البلدان ومنها الدول المتقدمة, بل إن دولا متقدمة مثل أمريكا والاتحاد الأوروبي استطاعت أن تحد من نسب البطالة عندها في وقت الأزمات الاقتصادية بفضل الأعمال المؤقتة، بل إن بعض الأعمال هي بطبيعتها لا تتطلب وظائف دائمة، وليست في حاجة إلا إلى أعمال مؤقتة, بل إن بعض الحرف التي يشغلها البعض بوظائف دائمة هم بإمكانهم العمل بمهنتهم نفسها في وظائف مؤقتة أو عمل جزئي خارج أوقات دوامهم.
وعندنا في المملكة هناك كثير من الأعمال التي بالإمكان شغلها بمواطنين وبأعمال مؤقتة, بل إننا عندنا فئة الشباب وهم الأغلبية في مجتمعنا، وعلينا أن نعدهم ثقافيا ومهنيا للعمل الجزئي، وهم على مقاعد الدراسة أو بعد تخرجهم، وفي أثناء فترة انتظارهم للوظائف المتخصصة في مجال دراستهم. هناك مع الأسف عمالة أجنبية تستقدم لأعمال، ووظائف بالإمكان الترتيب لها بعمل جزئي ووظائف مؤقتة. واليوم تعد المملكة من دول المنطقة المتقدمة في مجال الاستثمار في تقنية المعلومات والاتصالات، وعلينا أن نوظف هذه التقنية لتعزيز فكرة العمل الجزئي، وبالأخص في توظيف النساء. هناك كثير من الأعمال التي بإمكان المرأة أن تقوم بها، وهي في بيتها وعند أسرتها، وبهذا نستطيع أن نتيح للمرأة العمل، وأن نعطيها الفرصة للمساعدة في تحسين دخل أسرتها، ويعيننا هذا التوجه أيضا في قضية السعودة والحد من استقدام العمالة غير الضرورية.
قد يتصور البعض أن تطبيق مثل هذه الفكرة أمر صعب، وفي طريقه عقبات كثيرة, فإن لكل بداية تطبيق فكرة معينة صعوبات، وهذا الأمر طبيعي في القضايا الجديدة، ولكن عندما ننظر للتحديات التي أمامنا نجد أننا مطالبون بالتأسيس الثقافي والمهني للأخذ بآفاق جديدة في سبيل مواجهة هذه التحديات. إن لفكرة الأعمال المؤقتة منافع جمة اقتصادية، واجتماعية، وثقافية وعلينا أن نعد أنفسنا لكي ننتفع من تفعيل هذه الفكرة في مجتمعنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي