نظام المنافسات.. البريء المتهم
على رغم مضي ثلاث سنوات منذ إطلاق النظام الجديد للمنافسات والمشتريات الحكومية، وما يحمله من آليات متكاملة لتعزيز المنافسة والشفافية، ما زالت صورته قاتمة و مضطربة لدى بعض المسؤولين، أعضاء في مجلس الشورى، رجال أعمال، حملة أقلام، وغيرهم، إذ إن هناك من يتهم النظام بأنه السبب الرئيس لتعثر المشروعات العامة من مبان ومرافق وتدني مستوى تنفيذها، وقد كثر ترديد تلك المقولة لا سيما في الآونة الأخيرة إثر «فاجعة أربعاء» محافظة جدة. إن ذلك الفهم المرتبك للنظام ينبغي تصويبه وإلا نكون قد أسهمنا في حجب الأسباب الحقيقية لتعثر المشاريع وتدني مستواها.
ولعل من المناسب الإشارة هنا إلى الاقتراح الذي سبق أن طرحته قبل نحو عامين في «الاقتصادية» لرسم برنامج تتبناه وزارة المالية«لإدارة» النظام الجديد للمنافسات والمشتريات الحكومية بمهنية تتلاءم مع متطلبات السوق اليوم، والتنسيق مع الغرف التجارية الصناعية في إطلاق برنامج «توعية وحوار» لتسليط الضوء على النظام وآلياته عبر ورش عمل يشارك فيها، إلى جانب رجال الأعمال، المسؤولون الحكوميون في إدارات المشتريات والمنافسات، الرقابة المالية، والقانونية. على أن يتوج ذلك الجهد بوضع آلية مراقبة monitoring mechanism تختلف عن رقابة ما بعد الصرف التي يضطلع بها ديوان المراقبة العامة، ولتكن على شكل فريق عمل من الوزارة ومجلس الغرف لرصد مدى التزام الجهات الحكومية بنص وروح النظام الجديد ونشر تقرير سنوي عن نتائج ذلك الرصد كي يتسنى معالجة ما قد يكون هناك من خلل في وقت مبكر.
إن ما يتهم البعض به نظام المنافسات من أنه يدعو إلى تطبيق معيار الأخذ بأقل الأسعار على إطلاقه، دون الالتفات لأية اعتبارات أخرى، في المنافسات العامة التي تطرحها الجهات الحكوميـة، اتهام غير صحيح. ذلك أن النظام ينص على أن تكون ترسية المنافسة على أفضل العروض وليس أقلها. وذلك يقتضي صراحة، كما نص عليه في النظام، أن يكون مقدم العرض مؤهلاً أي لديه خبرة سابقة في العمل نفسه، وأن يكون التعاقد وفق مواصفات دقيقة ومستكملة. ومن ثم تأتي الخطوة التالية وهي مقارنة الأسعار بين أولئك الذين استوفوا شرطي الخبرة والالتزام بالمواصفات، ومن الطبيعي في تلك الحال أن يقع الاختيار على أقل الأسعار.
وهنا يمكن القول إن الرأي المعارض لتطبيق قاعدة أقل الأسعار في المنافسات الحكومية يبدو أن مرده عدم الإلمام بالضوابط التي تضمنها النظام لتلك القاعدة، أو ربما أنه تأثر بكثرة المشاريع الحكومية المتعثرة. وإن كان ما يُشاهد على أرض الواقع من تعثر أو سوء تنفيذ لا يقتصر على تلك الأعمال التي أُبرمت عقودها بأقل الأسعار فحسب، بل يشمل أيضاً عقوداً أُبرمت بأسعار مرتفعة تزيد على الأسعار السائدة في السوق، والأمثلة على ذلك كثيرة. أي أن العلة ليست في الأسعار المتدنية بل تكمن في أسباب أخرى من أهمها عدم الالتزام بالضوابط والآليات التي تضمنها النظام، وضعف الإشراف على التنفيذ، وهو بعض مما أثبتته الحوادث الأخيرة. إن ما نشاهده من هدر للمال العام في المشاريع المتعثرة ينبغي التصدي له على أكثر من جبهة، أولها التوعية، لا سيما للكوادر التنفيذية، ثم المراقبة والمتابعة، وعسى أن تستجيب وزارة المالية لهذه الدعوة بمبادرة تنصف نظام تأمين المنافسات والمشتريات الحكومية إذ إنه بريء مما ألصق به من تهم.