أمريكا في ميزان العقد الجديد
بدأ العقد الماضي بتحدي أمريكا في اليمن حينما ضربت المدمرة ''كول'' إلى أن وصلنا إلى نقطة انعطاف جديدة مع أحداث 11/9 تلا ذلك تدخل أمريكا في أفغانستان والعراق وانتهى العقد بأزمة مالية اقتصادية بدأت من أمريكا إلى أن وصلت إلى كل العالم وصاحبها تغير في ميزان القوى الاقتصادية والمالية لصالح الصين خاصة ودول أخرى. كذلك يبدأ العقد الجديد من اليمن يصاحب ذلك ارتفاع وتيرة الحرب في أفغانستان وتفاقم الوضع الأمني في باكستان. تبدأ أمريكا العقد بين فكي أزمة مالية اقتصادية خانقة ووضع جيو سياسي مرتبك ومعقد.
لا يزال الوضع الاقتصادي يراوح مكانه فبالرغم من خفض الفوائد لمدة طويلة إلا أن أرقام البطالة لا تزال في ارتفاع ولو بنسب أقل ومع انخفاض الدولار إلا أن العجز التجاري ما زال عاليا ولا تزال أمريكا تدفع نحو 600 مليون دولار يوميا كفوائد على الديون المتراكمة. الوضع الجيو سياسي ليس بأفضل، فبعد التفاؤل الذي صاحب وصول أوباما، فإذا به يعمّق الحرب في أفغانستان ويعاني ضغوطاً داخلية لإعادة تأهيل الحرب على الإرهاب. فقد جاء الإعلان عن ''بداية'' انسحاب من أفغانستان منتصف 2011 إلا دليل حذر في أحسن الأحوال وارتباك في أسوئه. ينبع هذا التردد في التغير في فهم الوضع الأفغاني، لا يزال في دوائر القرار الأمريكي جدل حول وصفها بحرب استقلال وطنية أو أنها حرب بالوكالة. الواضح أنها بدأت كحرب وكالة (بين القاعدة وأمريكا) وانتهت كحرب استقلال وطنية وهي هنا شبيهة بحرب فيتنام وهذا مأزق يؤرق أمريكا، ولكن هزيمة أو انسحاب أمريكا سوف يسجل ولو جزئيا للقاعدة وهذا شبح مخيف لأمريكا.
كلما ضغط فكا هذه الكماشة على أمريكا ازدادت درجة الاستقطاب السياسي الداخلي في أمريكا، وهذه وصلت إلى درجة عالية من الأدلجة من ناحية وبالتالي التعصب الحزبي كما اتضح أثناء التداول حول البرنامج الصحي لأوباما.
السؤال المهم هل نحن مقبلون على حقبة جيو استراتيجية جديدة يكون عنوانها انحسار النفوذ الأمريكي تدريجيا وما ظهور مجموعة الدول العشرين إلا أحد إرهاصاتها الطويلة المدى وقد يكون عناد إيران وتدخلاتها أحد تلك الإفرازات. الخسائر البشرية وطول الحرب وربما الهزيمة في أفغانستان نذير بتحول مفصلي في علاقة أمريكا مع المنطقة. تقابل هذه التجاذبات ضد أمريكا نقاط قوة لها ومنها رهان أمريكي على انتصار قوى الاعتدال في المنطقة ودول غربية أخرى على المساعدة باستمرار حرب انتقائية احتوائية ضد التجمعات والأفراد المتطرفين ونزعة أمريكية للتفوق مبنية على كفاءة التعليم وروح المبادرة المستدامة في الأعمال التجارية وبالتالي الرهان على عودة الآلة الاقتصادية الأمريكية وثالثا على فقدان البديل القريب، فالصين بالرغم من كل النجاحات لا تزال دولة عالم ثالث في كثير من النواحي، والهند مثقلة وبطيئة الحركة، كما أن هناك تنافسا آسيويا مزمنا وأوروبا في اتحاد غير مكتمل وغيرهم أصغر اقتصاديا من أن يرتقي للتحدي.
في مقارنة سريعة لهذه المعطيات مع وضد أمريكا يتضح سريعا أن الرهان على انحسار جذري للقوه الأمريكية في المدى المتوسط ليس في الحسبان ولكننا لن نعرف الإجابة عن هذه التساؤلات ودرجة هذه التحولات قبل نهاية العقد في أقرب تقدير، ولكن الثابت أن العالم على شفا تحولات جيو استراتيجية مهمة وعلينا التفكير مليا في استيعاب هذه التحولات لتعظيم الفوائد وتقليل المخاطر واقتناص الفرص.