رحل أيوب خان ولكن ماذا ترك؟!
كنت في واشنطن لحضور مؤتمر علمي، حيث تلحظ في العاصمة الأمريكية وجود القطارات تحت سطح الأرض تنقل مئات الألوف من داخل العاصمة وخارجها، يركبها جميع الفئات، بل تلحظ أيضاً تواجداً كبيراً لرجال الأعمال وكبار الموظفين..... ونظراً لقصر فترة الزيارة، فقد فضلت التنقل عن طريق سيارات الأجرة التي لا تقل أعمارها عن خمس سنوات، ولكنها خالية تماماً من أي أثر لصدمات، بل تجد السائق ملتزماً بالنظام، ليس أدباً بل احتراماً وخوفاً، فكان في أحد التنقلات السائق من اسمه وصورته الموجودة أمامي تبين لي أنه باكستاني الأصل، كبير في السن، فبعد التعرف سألته لماذا تركت باكستان؟ فقال لي إني أحب بلدي كثيراً، ولكن هنالك رفض لي في العمل أو الاستثمار!! فقص علي قصة أعتقد أن أمثالها كثيرة في الدول ذات الأنظمة الفوقية، كانت خلاصتها أنه في سنة 1959م اشترت شركة جنرال موتورز الأمريكية للسيارات قطعة أرض كبيرة جداً في باكستان من أجل تأسيس مصنع للسيارات داخل باكستان، ذلك لما يحويه البلد من طاقات بشرية ذات كفاءة عالية غير مكلفة!!! ولكن وجدوا كثيرا من العوائق في كل دوائر الدولة!!! فقلت له ما السبب؟ فقال إن إنشاء مثل ذلك المصنع سوف يلغي أو يحجم وكالة توزيع السيارات (البريطانية)، التي يملكها ابن الرئيس الباكستاني محمد أيوب خان (تولى الحكم من 1958 إلى 1969م) فما كان من إدارة شركة جنرال موتورز الأمريكية إلا أن قامت بالتخلي عن المشروع تماماً وباعت الأرض المستهدفة، فكان الضحية والخاسر هو المواطن بل الاقتصاد الباكستاني الذي لو نجح هذا المشروع لاستوعب آلاف العمال والمهندسين، وكذلك سوف يحفز على مزيد من الاستثمارات، ولكن أرى أن الخاسر الأكبر هو أيوب خان وابنه، لأنهما فضلا مصلحة آنية على سمعة دائمة، فقد ذهب أيوب خان من هذه الدنيا الفانية (1974) ولم يترك أثراً يجعله باقيا في نفوس شعبه، إلا الجشع ومحاربة المشاريع الوطنية التنموية!!
فالسؤال المستفاد من هذه القصة، كم من أمثال ذلك الرجل الذي رحل من هذه الدنيا بسمعة ليست بالطيبة وباع مصلحة شعبه بثمن بخس؟!! ولكن من المؤسف أن صورة مكررة من ذلك المسكين تستنسخ كثيراً في شعوبنا العربية والإسلامية، لا تزال المسيطرة على مقدرات الشعوب، تحت نظام الحزب الأوحد الصالح للمجتمع أو تحت فئة المعصومين من الأخطاء.
فحتى تنهض الأمم اقتصادياً وتستقر سياسياً ينبغي أن يكبت جماح مثل تلك التصرفات، وأن تكون هنالك أبجديات واضحة للبدء بأي مشروع، وألا يكون هنالك تأثير لمن هم خلف الطاولات، ممن يحرك من هو فوقها ويملي عليه ما يريد.