الحوثيون .. الأهداف ـ والمطلوب (1 من 2)
طرحت عقلي جانباً وأمعنت النظر فيما يحيط ببلادنا من شرور وكل ذي نعمة محسود، ونظرت إلى هذه الفتنة التي طرقت أبوابنا وكنا نراقبها عن بعد وأستمع شخصياً إلى ترهات يحيى الحوثي الذي تتيح له إذاعة بي بي سي العربية الظهور باستمرار لنشر أكاذيبه عن مشاركة قوات سعودية بأسلحة سعودية في دعم الجيش اليمني وذلك قبل العدوان الآثم على حدودنا وهذا محض افتراء، حيث العارفون بسياسة المملكة من عهد مؤسسها المغفور له الملك عبد العزيز - رحمه الله - أنها تختط لنفسها سياسة واضحة وصريحة في التعامل مع جيرانها ومشكلات العالمين العربي والإسلامي الأخرى من منطلق عدم التدخل في شؤون الآخرين، ولها تاريخ واضح نفخر به جميعاً في بعدنا عن المشكلات العربية وعدم التدخل في شؤون الآخرين الداخلية، بل إنها تقف دائما موقف المساعد والناصح الأمين، وهدفها هو سلامة الوطن وصحة مجتمعه وهناك أمثلة كثيرة على صحة سياسة المملكة ومواقفها من الجميع وأنها تدفع باستمرار من مالها وجاهها ووجاهتها لتقريب وجهات النظر وإيجاد الحلول العملية لما قد يقع من مشكلات وتدفع باستمرار بالتي هي أحسن وتنأى بنفسها عن بؤر النزاع والمشكلات وهذا ما حفظ لها علاقاتها الصحية مع الجميع، وقبل أن أدلف في قلب الحديث عن الحوثيين سأعرض للقارئ العزيز فكرة مبسطة عن المذهب الزيدي الذي انشق عنه الحوثيون وأصبحوا يسبحون في بحر الإمامية الاثني عشرية التي كانوا تاريخياً منشقين ومستقلين عن توجهاتها السياسية والدينية.
المذهب الزيدي
ينسب الشيعة الزيدية إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين - رحمه الله - وقد تلقى العلم عن والده زين العابدين ثم أخيه الأكبر محمد الباقر وقد تتلمذ أبو حنيفة على الإمام زيد وأخذ منه، ويرتبط دخول الزيدية إلى اليمن بالإمام الهادي بن الحسين وقد خرج عن الزيدية ثلاثة فرق: الجارودية نسبة لجارد زياد بن أبي زياد، والسليمانية أصحاب سليمان بن جرير ويقال لها أيضا الجريرية ـ والبترية أصحاب النوى الأبتر والحسن بن صالح ويقال لها الصالحية ـ لما كانت الزيدية إحدى فرق الشيعة فإنها توافق بعض عقائد الشيعة الاثني عشرية الذين يشكلون العدد الأكبر من الشيعة اليوم، ولكنهم أقرب الشيعة لأهل السنة لعدم غلوهم، فالزيدية يتفقون مع الشيعة في أحقية إمامة آل البيت دون النص على فرد معين، وفي جواز التقية إذا لزم الأمر، ويقولون ''حي علي خير العمل'' في الأذان، ويرسلون أيديهم في الصلاة ويعدون صلاة التراويح بدعة، ويرفضون الصلاة خلف الفاجر، ولا يطعنون بالصحابة كالشيعة الإمامية بل يترضون على الخلفاء والصحابة، حكمت الشيعة الزيدية اليمن الشقيق ما يقارب ألفا و200 عام حتى عام 1962م عندما قامت الثورة اليمنية ونقاط الالتقاء في المذهبين السني والشيعي الزيدي قريبة جداً من بعضهمها يعضا وهي أكثر بكثير من نقاط التقائهم بالمذهب الشيعي الإمامي الاثني عشرية الذي تدين به إيران، والشيعة الزيدية لا يقرون الشيعة الاثني عشرية على مبادئهم العقيدية ولا يوافقونهم على تحديد اثني عشر إماما ولا ادعاء العصمة ولا في عقيدة التقية ولا الرجعة ولا البداءة ولا سب الصحابة ولا غير ذلك من بعض البدع الأخرى ـ ويبلغ عدد الشيعة الزيدية في اليمن ما يقرب من 30 إلى 35 في المائة من عدد السكان ويوجد أكبر تجمع للزيدية في جهة صعدة، وقد أسس الحوثيون عام 1986م اتحاد الشباب وكان بدر الدين الحوثي وهو من كبار علماء الزيدية من ضمن المدرسين والعلماء لهذا المذهب، وقد تحول اتحاد الشباب إلى حزب الحق الذي يمثل الطائفة الزيدية في اليمن ليدخل حلقة إنشاء أحزاب للوصول إلى البرلمان، وقد نجح ممثلان للحزب في عضوية البرلمان، وقد أسس مدارس كثيرة في المنطقة لتدريس وتدارس المذهب الزيدي وحظيت هذه المدارس بالدعم المادي الحكومي أسوة بالآخرين ـ كما قامت إيران ببناء مستشفى وابتعاث عدد من الطلبة للدراسة في إيران بعد أن تحول نشاط اتحاد الشباب إلى حزب الحق بعد السماح بالتعددية الحزبية بعد الوحدة اليمنية، وظهر حسين بدر الدين الحوثي وهو ابن العالم بدر الدين كأحد أبرز القياديين فيه ودخل البرلمان (مجلس النواب) في عام 1993 و1997م. تزامن هذا النشاط الكبير لحزب الحق وإنشاء المدارس مع حدوث انشقاق أو خلاف بين الشيخ بدر الدين الحوثي وبقية العلماء حول فتوى سابقة لعلماء الزيدية بأن شرط النسب الهاشمي للقيادة الإمامية أصبح غير مقبول في العصر الحديث ولكن الشيخ بدر الدين الحوثي يرى أن الإمام يجب أن يكون من نسل البطنين الحسن أو الحسين، حيث يميل الشيخ بدر الحوثي إلى أفكار ومبادئ فرقة الجاردرية التي أشرنا إليها وهي تتقارب في أفكارها مع الاثني عشرية، ويبدو أن النموذج الإيراني وقيادة الخميني ومضامين وولاية الفقيه قد طابت للشيخ بدر الدين الحوثي ونظراً للمقاومة الشديدة لهذا الخروج عن أفكار المذهب الزيدي الرئيس اضطر الشيخ بدر الحوثي للهجرة إلى إيران، حيث عاش هناك عدة سنوات ـ وفي الوقت نفسه آلت القيادة إلى ابنه حسين بدر الحوثي الذي انشق هو الآخر عن حزب الحق وكون جماعة ثقافية دينية تتعاون مع الدولة في مقاومة المد السني الذي يقوده حزب التجمع اليمني للإصلاح، والشيخ مقبل بن هادي الوادعي - غفر الله له - ثم بدأت الجماعة بعد ازدياد نفوذها في معارضة الدولة ابتداء من 2002م، وكان الشيخ بدر الدين الحوثي قد عاد لليمن لمواصلة خدمة مريديه ـ وجاء احتلال العراق عام 2003م ليوقظ الحوثيين الذين كانوا يبحثون عن فرصة مناسبة لمناصبة الدولة العداء والخروج عليها وخرج الحوثيون في مظاهرات ضخمة في شوارع اليمن، وأعقب ذلك أول نزاع مسلح في عام 2004م، وهو ما يطلق عليه الحرب الأولى التي أدت إلى مقتل حسين الحوثي وبعد ذلك والده بدر الدين الحوثي واستيلاء الجيش اليمني على كثير من الأسلحة والمعدات، ولكن ما لبثت الحرب أن ثارت مرات حتى وصلت الآن إلى الحرب السادسة، وسنتحدث في الحلقة المقبلة عن الوضع في اليمن وكذلك أهداف الحوثيين والقاعدة والمطلوب من مجلس التعاون الخليجي ـ والله الموفق.