الهوس بـ «جينيس»!!

أعتقد أن السواد الأعظم من قراء هذه السطور يعرف أرقام «جينيس» القياسية العالمية حيث تعمل «جينيس للأرقام العالمية المحدودة» منذ أكثر من نصف قرن على تتبع ما في الطبيعة وشؤون الحياة المختلفة لتقرر أكبر أو أطول أو أضخم شيء من صنف أو جهد أو إنجازات حيث تصنف في كتاب سنوي يصنف في الغالب إلى أبواب مختلفة مثل الإنجاز البشري، العلم والتقنية، أو الرياضة وهكذا. ولا شك أن صاحب أو أصحاب الحاصلين على رقم التميز في مضمارهم الذي عنوا إليه يرون أن في هذا دلالة على تميز في الإنجاز ومن حقهم المفاخرة به، علماً بأن بعض الأشياء الحاصلة على الرقم القياسي أو رقم «جينيس» هي منذ أن خلقها الله - سبحانه تعالى - وليس للإنسان دخل فيها، مثل أطول حصان أو أكبر فيل مقارنة ببعض الأشياء والتي - بتوفيق من الله ومشيئته - عمل الإنسان على تحسينها أو بنائها مثل أكبر قبة أو أسرع قطار وغيرها. وعلى الرغم من أن بعض الأرقام القياسية لإنجازات عملها الإنسان ليس لها الكثير من الدلالة أو الانعكاس الاقتصادي المباشر - في ظني على الأقل - بما يخدم البشرية مثل أطول فطيرة أو أكبر وشم أو غيرها والتي لا تتعدى الشهرة الشخصية الوقتية لصانعيها. وفي هذا المقام وما يهمنا هو الانعكاس الاقتصادي للإنجازات التي يحققها الإنسان ويستحق عليها الإشادة بفوزها برقمها العالمي لـ «جينيس».
إننا محليا وعربياً على ما يبدو مهووسون بالأكبر والأعلى والأضخم، حتى إنك ترى ذلك في كل مناحي حياتنا حتى في الرياضة حين تتابع تعليقاً على مباراة لتجد الوصف والمديح يُكال بلا حدود لمهارات لاعب معين بل يقارن بمستواه بأبرز لاعبي هذه اللعبة العالميين وبرموزها ولن أسمي أحدا خوفاً من أن يقال إن ميولي إلى ناد معين.
في الحقيقة وإن كنت لست بباحث إنثروبولوجيا إلا أن موروثنا الثقافي يدل على حبنا لذلك منذ القدم حيث التباهي بالإنجازات من خلال وسيلة الإعلام الأقوى في وقتها وهي الشعر منذ أيام الجاهلية ووصف ما لا يوصف. إن الإنجازات يجب أن يشاد بها ويشجع عليها دون تقزيم لحجمها لكن أن يكون المراد من ذلك فقط مجرد فقط تحقيق الرقم القياسي ووجود كلمة الأضخم والأكبر وغيرها ككلمة سابقة لذلك الإنجاز دون النظر إلى أبعادها الاقتصادية لهو مسار لن تتعدى ثمار إنجازه من لحظة فورته الإعلامية. بل لربما صار عبئاً اقتصادياً لكون ذلك الإنجاز غير عملي بل خطأ في مقاييس الكفاءة والعملية. وهناك عدد من الأمثلة لمشاريع اقتصادية وتنموية يطلق عليها الأضخم والأكبر غير إن منافعها الاقتصادية ليست بحجم تلك الضخامة والكبر.
إن ما أتمناه أن نقيم كل إنجاز بحقيقة منافعه الاقتصادية وليست الإعلامية، إذا إن الإنجازات العالمية خصوصاً لتلك التي لها انعكاس اقتصادي ذو منفعة مستدامة غير هامشية لم تأت لمجرد أن الهدف من إنشائها أو العمل عليها هو تحقيق الرقم القياسي وقصب السبق لأن تكون الأعلى أو الأكبر أو الأضخم، بل كان نتيجة طبيعية هدفها الأساسي التنمية الحقيقية وليست الصورية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي