هل الصمت حكمة دائما؟

نتعلم ونعلم حكما أو أمثالا شعبية ونعتقد من خلالها أن الالتزام والإيمان بها أمر ضروري والخروج عنها خروج عن الحكمة والمعرفة والرزانة وغيرها من المصطلحات التي تحكم السلوك الشخصي الإنساني, ومن ذلك المقولة المشهورة ''إذا كان الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب'', هذا المثل أو القول المشهور أصبح سلاحا لكل من يحاول الاختباء خلف عدم معرفته أو جراءته أو خوفه من قول الحق والمشاركة الفاعلة في تطوير مجتمعه.
المصطفى ـ عليه الصلاة والسلام ـ وجهنا في هذا الإطار إلى المفهوم السليم الواضح للمقصود بالصمت لقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ ''من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت'', فالقول هنا هو البعد عن الغيبة والنميمة والإساءة لأعراض الناس, والخير هو ذكر الله ثم ذكر الأمور السليمة الصحيحة عن الآخرين, لكن الصمت بمطلقه سلوك غير سليم وهو ما عشنا لسنوات نعتقد أن الصمت عن قول حتى الحق هو الصمت السليم على أساس الفهم المطلق الخاطئ لمعنى الصمت.
الصمت الحميد هو ما يمنح الطاقة القوية التي تساعد على تعميق التفكير والتركيز بعقلانية وطرح الرأي أو إعداد الإجابة السليمة, وهذا يساعد في السيطرة على النفس أولا ثم على من يجلس أو يقف أمامك, كما أنه في بعض الأحيان يشعر الآخرين بشيء من الغيظ الشديد لأنهم يعدونه نوعا من الهجوم المستمر, وهذا الصمت يعطي قوة إضافية في بعض الحالات التي يتطلبها الوضع المعيش في لحظة الصمت المطلوب, كما أنه سلاح يمكن الاستفادة منه في تجاوز المشكلات الزوجية على أساس أن النقاش بين الزوجين في حالة الغضب ربما يؤدي إلى مشكلات أكبر وأعمق من الوضع الراهن الذي يعيشانه, ولهذا يرى أن الصمت في هذه المرحلة الحرجة أمر حميد.
إن الصمت المذموم هو الصمت عن قول الحق على أساس أن الساكت عن الحق شيطان أخرس, والساكت لا تقضى له حاجة ولا يساعد على تطوير أو إيضاح خلل, ولهذا يقال لولا القول لما كان للذكر أجر وللمعلم فائدة وللنصح أهمية, والنصح هنا هو الدافع الأساسي لعدم الصمت عن الأخطاء التي نراها في حياتنا اليومية التي تؤدي مع مزيد من الصمت عليها إلى تفاقم المشكلات واستمرار أصحابها وهو ما يؤدي إلى الفساد الاجتماعي والمالي والإداري على أساس أننا أمام الصمت السلبي أو ما يمكن تسميته صمت الهيبة أو صمت الضعف أو صمت الانسحاب أو الهروب أو عدم الإحساس بالمسؤولية نحو المجتمع ومتطلباته.
الصمت في نظري يعد أحد أهم الأسلحة التي ساعدت وتساعد على استمرار الفساد واغتياله لكل الفرص التنموية التي نحاول من خلالها الاهتمام بالإنسان ومتطلباته ومن خلال هذا الصمت السلبي تفقد البلد كثيرا من مشاريعها وبرامجها التنموية بسبب الصامتين على الفساد وأهله مهما كان حجم وشكل ونوع ذلك الفساد, ولهذا فإننا من خلال التجارب التي عشناها ورأينا من خلالها أن صمتنا هو أحد الأسباب الرئيسية التي أدت وتؤدي وستؤدي إلى استمرار الفساد وسيطرت أهله على مفاصل المشاريع والبرامج وعدم خوفهم من المحاسبة لأنهم مطمئنون إلى أن المجتمع مجتمع يؤمن أن الصمت من ذهب, ولهذا فإن الفاسدين يجدون الفرصة في سرقة ذهب البلد.
عندما وجهنا المصطفى - عليه الصلاة والسلام -بقوله '' من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت'' أستطيع أن أفهم الخير في الكلام من خلال عدم السكوت على أي إنسان كبر أو صغر من المفسدين في حق مجتمعهم, ولهذا ربط المصطفى - عليه الصلاة والسلام - عدم السكوت على الباطل بالإيمان بالله واليوم الآخر, والمعنى هنا أيضا يحمل السؤال وهو: كيف تؤمن بالله واليوم الآخر ومع ذلك تسكت على ما تراه من مفاسد وسلوك مشين ومنها السكوت على المفسدين والمرتشين والمستغلين للأموال والحقوق العامة؟ وهنا يبرز دور أفراد المجتمع رجالا ونساء شيبا وشبابا في حماية حقوقهم العامة وعدم الاستسلام أو الصمت أمام الفساد الإداري والمالي والسلوكي الذي نراه, ووسائل الحديث عنه لم تعد وسيلة واحدة وإنما قنوات مفتوحة للوصول إلى ولي الأمر وإيصال المعاناة والمعينين عليها إليهم, بحيث يصبح كل فرد في المجتمع عينا له على مراقبة الأداء وتقويمه, ويعلم كل عامل في مختلف مؤسسات الدولة أنه مراقب وأن صوت الحق يطارده ليشكره أو يوبخه ويقوم اعوجاجه, وبهذا لا يستمر اعتمادنا على أجهزتنا الرقابية التي قد لا تستطيع الوصول إلى كل مفسد, هذا إذا سلم بعضها من الفساد أو المجاملة أو ضغط العمل أو قلة الدعم, ومن هنا فإن عين المؤمن الصادق ولسانه هما ما تحتاج إليهما المرحلة المقبلة لتقويم الاعوجاج وإصلاح الفساد والقضاء على المفسدين, وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
وقفة تأمل
ذل من يغبط الذليل بعيش
رب عيش أخف منه الحمام
كل حلم أتى بغير اقتدار
حجة لاجئ إليها اللئام
من يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرح بميت إيلام

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي