استراتيجية النفط العربي والقضية العراقية

لسوء الحظ بالنسبة لشعوب الشرق الأوسط فإن الذهب الأسود المكنوز تحت أراضيهم قد كلفهم شلالات من الدماء وكثيرا من الحروب، قسمت بلادهم الواحدة إلى عدة دول لتخدم أهدافا جغرافية وسياسية، وحيث إن اتفاقية سايكس – بيكو الشهيرة بين بريطانيا وفرنسا التي أعادت ترسيم الحدود إلى دول ودويلات في الشرق الأوسط ورسمت هذه الحدود استنادا إلى اعتبارات اقتصادية وعسكرية وجغرافية تتعلق أساسا بالنفط وضمان تدفقه إلى الغرب وكان ذلك على حساب مصالح شعوب المنطقة، ومنذ تلك الحقبة حتى الآن فإنه لم تقم حرب إلا بسببه وإن اتخذت مسميات وذرائع مختلفة, التوجه العربي الحقيقي لمعالجة الأزمة العراقية على طريق المصالحة الوطنية العراقية تطلب وجود قناعة عربية استراتيجية للتعامل مع الوضع العراقي، حيث يتطلب النظر إلى هذا البلد على أنه جزء لا يتجزأ من الأمة العربية, وفي هذا شكلت السعودية قوة عربية رائدة ومهمة كانت بمثابة رافعة قوية كلما هبت رياح عاصفة على المنطقة العربية, الدور السعودي اعتبر في نظر الكثير من المراقبين إيجابيا لأنه عمل الكثير تجاه العراق وذلك من خلال استثمار السعودية لعلاقاتها الواسعة بأعضاء الأسرة الدولية وفي مقدمتها أمريكا وبريطانيا من أجل تبني فكرة العراق الموحّد القوي الذي لا تستطيع أي دولة أن تغزوه أو تلعب بثرواته, لقد كانت حرب تشرين الأول (أكتوبر) عام 1973، وما صاحبها من ارتفاع في أسعار النفط بلغت نسبته 400 في المائة وأدى ذلك ضمن أمور أخرى إلى جعل نفط بحر الشمال ونفط ألاسكا ذا جدوى وقيمة اقتصادية، إلا أن حرب الخليج عام 1991 خلقت وجوداً غربيا قويا في الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط وعملت على إيجاد الظروف التي تمكن من تجريد دول النفط العربية من ثرواتها وأن تضمن انضمام أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم إلى نادي الدول المدينة، ومن أهم النتائج غير المعلنة لحرب الخليج ذلك المنهج المتدرج الذي أتبعته الولايات المتحدة لتدفع ببعض الدول العربية المنتجة للنفط إلى مصيدة الديون، لقد أدت الفواتير التي قدمتها الولايات المتحدة للدول الخليجية المنتجة للنفط والفواتير التي تلتها نظير شراء المخزون الاحتياطي الفائض من الأسلحة الأمريكية إلى سحوبات مختلفة من الخزائن العربية من الأموال والدولارات، وحيث إن المجال النفطي اختلطت فيه السياسة بالاقتصاد كثيرا, فهل اصطنعت واشنطن الخلاف على النفط بين العراق وإيران وعملت على تأجيج الصراع على مناطق النفوذ النفطي؟ على الرغم من أن استراتيجية النفوذ لدى الدول العربية تقوم بالأساس على عدة عوامل تقليدية قد لا تلبي متطلبات ومعطيات العصر الدولي وهي القدرة على امتلاك الموارد الطبيعية، الغاز الطبيعي والنفط باعتبارهما سلاحين اقتصاديين، إلا أنهما لم يستخدما إلا في خدمة استراتيجية العائدات التي ساعدت الدول المصدرة على الانغلاق على نفسها, بينما شهد المستوى الاقتصادي العربي حوارات بين الحكومات العربية بشأن ضرورة اتباع استراتيجية اقتصادية مشتركة تضم كل الدول العربية في كتلة إقليمية، وكانت الدول العربية قد وقعت منذ عدة سنوات اتفاقية السوق المشتركة، غير أن أيا من التعاون المشترك الجدي لم يدخل حيز التنفيذ مما زاد الأمر سوءا, وبعد أن قامت وحدة إيرانية تضم قوة عسكرية وفنيين في الأيام القلائل الماضية بالسيطرة على بئر نفطي يقع في حقل الفكة في مدينة العمارة، جنوب العراق, في الوقت الذي بدأ فيه وزراء نفط منظمة ''أوبك'' اجتماعهم في العاصمة الأنجولية لواندا وسط خلافات على حجم الإنتاج ومستوى الأسعار, وقال وزير النفط العراقي: ''ما سأطلبه وأتوقع أن يفعله الآخرون هو أن تلتزم الدول بحصصها ولا تغرق السوق بكميات من الخام لا يوجد طلب عليها'', يذكر أن العراق التي تطالب بالالتزام بالحصص الإنتاجية مستثناة من هذا النظام منذ عام 2003 إلا أن تأكيد العراق على مسألة الالتزام بالحصص الإنتاجية هو خوفها من تدهور الأسعار ما سينعكس سلبا على برامجها التنموية, ولم تضطر منظمة أوبك إلى تعديل حصص الإنتاج التي فرضتها منذ تقليص الإمدادات في أواخر العام الماضي لكبح انهيار الأسعار جراء الأزمة الاقتصادية العالمية.
احتلال العراق وما نتج عنه من صعوبات أمريكية في المنطقة قد منع العرب من امتلاك دروع قوية في مواجهة أي دولة تحاول العبث بالأمن الإقليمي، فالخارج يقوض أي مظهر عربي للنفوذ, وقد وضعت الولايات المتحدة عدة ركائز من أجل الوصول إلى أهدافها بغية إعادة التوازن المفقود لديها باعتبارها الفاعل الأول في العالم العربي منذ 1945، وكان سلوكها هو المتحكم الرئيس في أوضاع الشرق الأوسط ، كما أن حربي الخليج الأولى والثانية قادتا إلى قلب جميع الثوابت السياسية في المنطقة وقضتا على أي محاولة لإعادة التضامن الاقتصادي العربي الذي عملت الدول العربية لفترات طويلة لإحيائه، وبدلا من ذلك أصبحت كل واحدة من الدول العربية تعتمد أكثر على تحالفاتها الخاصة مع الآخرين, وحيث إن جامعة الدول العربية انقسمت حول الخطر الإيراني انقساما عطل أي دور جمعي فاعل لها في حل القضايا العربية الشائكة، لذلك يجري العمل على تعطيل أي عمل عربي مشترك أو أي مواجهة عربية من المؤمل أن ترى النور ومن شأنها الإيحاء بأن هناك استراتيجية عربية واضحة، وإذا كانت واشنطن لم تعد عمليا تعترف بالجامعة العربية كمنظمة إقليمية وهي تريد استبدالها بأخرى شرق أوسطية يمكنها أن تضم إسرائيل إليها كجزء لا يتجزأ من المنطقة المجزأة التي تسعى للإمعان في تفتيتها على أسس عرقية وطائفية تحت عنوان التعددية الديمقراطية، فليس من المفارقة أن تفتقد الدول العربية رؤية وفعلا استراتيجيا موحدا في نطاق سياداتها مجتمعة بينما الولايات المتحدة تخطط للمنطقة برمتها, لقد ساعدت العولمة على إضعاف الدول العربية سواء على الساحة الاقتصادية أو السياسية إذ إن هذه الدول ظلت حبيسة عائدات البترول الذي وصفه البعض بأنه لعنة لأن عائداته وقفت عائقا أمام تنوع اقتصاديات الدول, ونتيجة لذلك أصبحت تلك الدول تستورد المنتجات الأخرى كافة مع العلم بأنها قادرة على تصنفيها داخليا، في حين بقيت نسبة البطالة في المنطقة العربية من أعلى المعدلات في العالم, الأمة العربية لم تتمتع حتى الآن بالنفوذ الذي يجب أن تتمتع به بالنظر إلى ميراثها وأصولها وهو ما يجتمع عليه الرأي العام العربي الذي يدعو لضرورة عودة النفوذ العربي واستغلال سلاح النفط بفاعلية أكبر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي