ميزانيات الجهات الحكومية.. و«نفض الخِرْج»

ترصد الدولة، عبر وزارة المالية ميزانيات معتمدة لمختلف الجهات الحكومية تغطي بها كل جهة تكلفة التشغيل كرواتب وأجور وبدلات، إضافة إلى الصيانة والمصروفات الأخرى تبدأ بتجهيزات المكاتب وميكنتها ولا تنتهي بفواتير النقل والمحروقات والكهرباء والهاتف والأوراق والأقلام والأحبار وما إلى ذلك من مستلزمات العمل مما يدخل في باب النثريات.
تحرص الجهات على ضبط إيقاع نفقاتها غير المرتبطة بالرواتب والأجور وبدلات التكليفات خارج الدوام وما شابه ذلك، مثلما تحرص على التريث في أعمال الصيانة، خصوصا تلك التي تتطلب نفقات أعلى من غيرها ويظل الحال على هذا المنوال طوال شهور السنة، غير أن وضع بعض الجهات الحكومية ينقلب حاله من التقتير إلى التبذير لتذهب بذلك مقولة الكفاءة في ضبط النفقات الحكومية أدراج رياح عادة مستحكمة متحكمة في نسق الإدارات المالية والإدارية في بعض جهاتنا الحكومية، إذ فجأة، وفي ختام العام تنفتح شهيته بتغيير أثاث المكاتب وتجهيزاتها سواء بالمقاعد الوثيرة والطاولات الأنيقة والستائر والسجاجيد أو بأجهزة الحواسيب والهواتف وغير ذلك من أجهزة وأدوات.
السبب الجوهري في هذا الكرم الحاتمي، في غير محله، هو توافر أموال في ميزانية الجهة لم يتم استنفادها في شهور السنة، ولذا فالجهات اعتادت على ضرب موعد لها لا يخلف الوفاء به في نهاية كل عام لاستنفاد آخر قرش في ميزانياتها لكيلا تعيد وزارة المالية النظر في مخصصاتها للعام القادم طالما أنها لم تصرف ما تم اعتماده لها في ميزانيات العام المنصرم.
إن هوجة الشراء والإنفاق المفتوح على التجهيزات المكتبية في بعض جهاتنا الحكومية في نهاية كل عام مالي هو أشبه ''بنفض الخِرْج'' في مثلنا الشعبي وقد بات سلوكا مبرمجا في ثقافة إدارتنا المالية في هذه الجهة الحكومية أو تلك، بل بات ظاهرة لافتة للانتباه بشدة تتسم بها ثقافة العمل الحكومي وتمارس حضورها بتواتر نهاية كل عام توخيا واحترازا لأن تطول ميزانية الجهة تخفيضات في بعض أبواب الميزانية الخاصة بها، أو في هذا البند أو ذاك، فالاجتهاد - كما يبدو - ينصب على زيادة الاعتماد وليس على خفضه بغض النظر عن دراسة فعلية لمقتضيات التشغيل الفعلية والحقيقية للجهة وبما لا يتواءم مع توجه خفض تكاليف النفقات الحكومية مع الحفاظ على الكفاءة الاقتصادية وجودة المخرجات. إن ظاهرة الإنفاق السخي ''نفض الخرج'' في ختام العام المالي في دواوين الدولة تحتاج إلى أن يتم النظر إليها من منظور اقتصادي بحت بحيث لا يشكل فائض ميزانية الجهة ضغطا عليها تخشى معه أن يطول ميزانيتها القادمة وإنما يبقى الفائض في رصيدها، حتى لو لم يكن من تلك الاعتمادات التي عادة ما يتم الإبقاء عليها لكونها ذات صلة بالإنشاءات والمرافق وما إلى ذلك. إن تشريعا جديدا يتصل بميزانيات الجهات وسبل إنفاقها يحتاج إلى أن يجد مكانه في منظومة القوانين والأنظمة التي تحكم سياستنا المالية في دواوين الدولة.. وقد يكون مجلس الشورى مع ديوان المراقبة العام بجانب وزارة المالية هي الدوائر الثلاث التي يمكن أن تبلور مثل هكذا تشريع ليصار إلى رفعه لديوان مجلس الوزراء الموقر للنظر فيه وإقراره إذا ما رُئي ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي