القصيبي والوقوف على أطلال الزمن!
الوقوف على الأطلال في الشعر الجاهلي هو بمثابة المقدمة الموسيقية للسيمفونية في الموسيقى المعاصرة أو بالتحديد منذ ''باخ'' و''موتسارت'' و''بيتهوفن''.
وأكثر القصائد الجاهلية من ''أمرئ القيس'' و''زهير'' و''طرفة'' ومن بعدهم يعد الوقوف على الأطلال تقليدا لا يمكن تجاوزه إلا نادرا.. والوقوف على الأطلال يعني زيارة المكان الذي ما زالت به بقايا منازل الحبيبة أو القبيلة، وتذكر الماضي.. وبعض المفسرين يرون أن الوقوف على الأطلال أو بالأطلال، هو طقس ديني جاهلي.. وهذا سر ثباته في مقدمة القصيدة الجاهلية.
وها هو شاعرنا الفخم الضخم ''غازي القصيبي'' يحيي تقاليد القصيدة القديمة ولكنه بدلا من أن يقف على أطلال المكان يقف على أطلال الزمان.. وعنوان قصيدته الممتعة الأخيرة اسمها أو عنوانها ''يومان''، وهو ما يقودنا إلى الوقوف على طلل الوقت أو الزمن.. وليس طلل المكان.
وهو يسأل نفسه أولا هل مر اليومان بما حفلا بهما من أفراح وأحزان.. وهو عندما يسأل نفسه يتحدث بلهجة المستنكر أن يكونا قد مرا به حقا.. وبها.. وهو يلجأ لها لتذكره بأطلال الزمان أو الوقت الذي كان ربيعا وفجرا وسحرا وطفولة.. ثم يفديها بنفسه كي تذكره بمدى حبهما والرؤى التي صنعت الخيال والحب، وصورتها التي رسمها في خياله بما يعجز فنانا ثم يسألها عن صورته التي رسمتها في خيالها.. وهل كان الرسم لبركان ثائر ينفث النيران في الليل.. ثم يأتي إلى بيت القصيد فيقول:
رسمت الحلم موطننا..
رسمت الصحو منفانا..
فالواقع منفى لكل هذه الخيالات والأحلام والرؤى.. فالواقع منفى لأنه لا يحتمل الخيال ولا الأحلام ولا الرؤى.. الواقع قبيح ولا سبيل إلى تجاوزه إلا بالوقوف على أطلال الماضي.. أطلال الزمن.. وهذا هو حالنا جميعا عبر عنه ''القصيبي'' بما لا نستطيع نحن الغلابة شعريا أن نعبر عنه.