إيران.. ماذا بعد تقرير ستارفورد ومركز تراث الاستخبارات!!

بما لا يقبل النقاش أكد تقرير ستارفورد الاستخباري أن إيران تعمل على تزويد الحوثيين بالمال والسلاح،وأن الحرب البرية ضد الحوثيين والتنسيق اليمني السعودي،أوقع عددا كبيرا من القتلى في صفوف خبراء إيرانيين وخبراء ميدانيين من حزب الله،حيث قدر عدد الخبراء من الطرفين بحدود 300 شخص.
وكشف التقرير أن الحصار البحري والتمشيط البحري الذي أخضعت السعودية بموجبه موانئ اليمن المقابلة لصعدة وبعد تفاهم وتنسيق يمني كشف النقاب عن هروب العديد من الخبراء والقتلى إلى إريتيريا والصومال، وهذا يكشف أن إيران على علاقة قوية بالقراصنة وبما يجري في الصومال أيضا.
عدد القتلى من الطرف الإيراني واللبناني حزب الله بالطبع تجاوز 50 خبيرا، وأن إيران بدأت عمليا نقل عمليات الإمداد عبر موانئ عدن هذه المرة رغم بعد المسافة وتكلفة عملية النقل تلك سواء للسلاح أو تأمين الأفراد ،حيث تدفع إيران لبعض القوى المحلية اليمنية آلاف الدولارات كي تصل المؤن إلى أهدافها.
هذا الجانب تطلّب أيضا التنسيق مع قيادات المعارضة الجنوبية،التي وجدتها فرصة أيضا لمضاعفة عمليات الضغط على القرار السياسي اليمني،بفتح جبهة أخرى غير جبهة الحوثيين التي واجهت قوة سعودية لم تحسب لها حسابا، ولم تتوقع قدراتها وعزمها وتصميمها، رغم أن الدولة السعودية كانت معنية بالدرجة الأساس بأمن حجيج بيت الله الحرام التي خططت إيران إلى تخريبه وتسييسه. الوجود البحري الإيراني في خليج عدن وباب المندب والقرن الإفريقي مريب جدا، وإيران باتت تتموضع كثيرا في إفريقيا الشرقية، وتعمل بشكل منظم على استعادة المجد الإمبراطوري الفارسي فيها،وتحاول جاهدة اللعب مع الكبار في إفريقيا (أمريكا، فرنسا، الصين، روسيا، والهند) فإن لم تحظ بالاتفاق فإنها ستحظى بالتفاهم، هذا هو جل الاعتقاد الإيراني.
عمليا تنفق إيران مليارات الدولارات على إفريقيا على شكل إعانات، وهناك500 طالب إفريقي يدرسون في الحوزات الشيعية في قم، وأن الحرس الثوري له ما لا يقل عن 70 مكتبا في العديد من العواصم الإفريقية، وأن نشاطه الأمني والاستخباري تطلب وجود حزب الله كعنصر مؤثر في الجاليات اللبنانية في إفريقيا، حيث دخل حزب الله مبكرا على تجارة السلاح والحشيش والألماس، وبعض التقارير الغربية أكدت أن المنافسة كبيرة بين حزب الله وتجار يهود، وأن هذه المنافسة قادت إلى التعاون التجاري بين الجانبين حيث يسيطر اليهود على صناعة الألماس في أوروبا.
من الأفكار المثيرة التي تبدو مشتركة مع إسرائيل هي أن إيران انفتحت كثيرا على إثيوبيا،التي تربطها علاقات قوية مع أمريكا، لكن الانفتاح الإيراني تمثل في قضايا تجارية وثقافية، وأيضا في علاقة صراع مبطنة بين الطرفين ومصر،إذ تسعى إيران جاهدة لتمويل بناء سد في إثيوبيا على النيل بهدف التأثير في الأمن القومي المصري، في الوقت الذي تمنح المؤسسات الثقافية الإيرانية بعثات للدراسات العليا لطلاب من إثيوبيا،بهدف إيجاد جيل مؤثر في السياسة الإثيوبية مستقبلا.
إيران كشفت النقاب أخيرا عن أن أهدافها من وراء مؤتمرات التعاون والثقافة الأفرو - إيرانية إذ تهدف أولا مغازلة واشنطن، والثانية، التماس مع الأمن القومي العربي،وأيضا عمدت إلى إعادة التأريخ لفترة الوجود الفارسي في إفريقيا،حيث يتحدث ما لا يقل عن 80 مليونا باللغة السويحلية المزيج من الفارسية والعربية والأوردية، وأنها أيضا ساهمت في إعادة بناء بعض الآثار التاريخية الدالة على تلك الفترة وعلى نفقة الدولة الإيرانية.
في 11/8/2009 وثق مركز المعلومات حول الاستخبارات والإرهاب النشاطات الإيرانية في إفريقيا وكشف عن أن طهران ساعية إلى ترسيخ نفوذها السياسي وتطوير علاقاتها الاقتصادية والثقافية مع إفريقيا، وأنها تعمل بجد على تصدير مفاهيم وقيم الثورة الإيرانية، وتعمل على ترسيخ الوجود الإيراني البحري والبري وبخاصة المحاذية للبحر الأحمر، وكشف التقرير أن هناك مخاوف إيرانية من ضرب عصب تجارتها البحرية، وأنها تسعى أيضا للتأثير في عصب التجارة الإقليمية من خلال سيطرتها على تلك الموانئ.
لغة الخطاب الإيراني الجديد باتت تمزج بين التوسع في النفوذ الخارجي، باستخدام الدين كأداة للتدخل والتوسع والسيطرة، لتحقيق أهداف ومصالح إيران القومية،وسيكتشف العقلاء من الشيعة فيما بعد والمتشيعون سياسيا أن إيران ليست لها علاقة بالدين وإنما اتخذته وسيلة لتحقيق أهداف قومية فارسية.
وتتضح نغمة الخطاب الإيراني بالتركيز النفسي على أهمية ظهور المهدي،ففي 15/7/2009 أكد الرئيس أحمدي نجاد في مدينة مشهد ''أن العهد الحالي هو عهد ظهور الإمام المهدي،علينا أن نبني إيران وأن نسعى لتحقيق غايتنا ورسالتنا الثورية العالمية، عن طريق التدخل المكثف في الشؤون الدولية'' وفي بداية الشهر الجاري قال خلال زيارته محافظة أصفهان''إن سبب هجوم أمريكا وحلفائها العسكري على بعض دول المنطقة هو علمهم بظهور المهدي في هذه المنطقة ليقضي على''جميع الظالمين''.
هذه اللغة تلقى آذانا صاغية لدى العديد من الإيرانيين وأيضا من الشباب الأفارقة الباحثين عن التحرر، حيث يرى نجاد أن ''إفريقيا خضعت للظلم وأن إيران ستساعد الأفارقة في البحث عن سياسة مستقلة أمام البلطجة الدولية.
عملية المزج بين السياسي والأمني والديني، بين الدهاء والاستغباء السياسي، بين الأسطورة والسياسة يؤكد أن إيران تهدف إلى عقد الصفقات والتفاهمات مع القوى الدولية في مناطق مختلفة كإفريقيا وأمريكيا اللاتينية مثلا مقابل تخفيف حدة الضغط السياسي الغربي عليها فيما يتعلق بملفها النووي،كما تعمل جاهدة التأثير في عصب الأمن القومي العربي بالسيطرة على موانئ مهمة في البحر الأحمر كميناء عصب الاستراتيجي في إريتيريا حيث كشف النقاب عن وجود بوارج وغواصات إيرانية وجنود إيرانيين بحجة الدفاع عن مصفاة لتكرير وتقطير النفط، رغم النفي الإريتيري.
المخطط الدائري الإيراني من بغداد إلى بيروت وغزة وصولا إلى صعدة،وبعض الموانئ الاستراتيجية والحيوية في البحر الأحمر يكشف أن طهران تهدف إلى ضرب قوس أمني وقوده وجود عسكري،قراصنة صوماليون، حزب الله، تنظيم القاعدة، الحوثيين،الحرس الثوري، النشاط الاستخباري، للتأثير في السياسة الدولية والإقليمية،ويزداد الخطاب الديماغوجي الإيراني حدة وقلقا وتوترا مع زيادة حدة الضغوط الداخلية والضغوط الدولية.
أمام هذا الحراك لابد أولا من تعرية وكشف الأهداف والنوايا الإيرانية أمام الرأي العام العربي والإسلامي،والعمل بشكل جاد لإنهاء المغامرات الإيرانية وكبحها إن فكرت في التأثير في الأمن القومي والعبث بالخريطة المذهبية في المنطقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي