ستبقى جدة غير
في السابق كان ينظر إلى مدينة جدة على أنها مدينة ترفيهية ففيها البحر والتجارة وإليها يتوافد قاصدو البيت الحرام فهي ميناؤهم الأساسي، وتقضي فيها الحكومة نصف العام تقريباً، وقد أطلق على جدة عروس البحر الأحمر لجمالها الذي كان يقصده سكان المناطق الأخرى من المملكة ، كما أطـلق عليها شعار المهرجان السياحي السنوي (جدة غير) وأصبح شعاراً مرتبطاً بجدة في كثير من خصائصها.
واليوم وبعد أن اجتاحت السيول بعض أحياء مدينة جدة الشرقية والجنوبية وخلفت ما خلفت من أضرار وقتل لأبرياء وتهديم للمنازل وسحق للسيارات وتشريد لكثير من الأهالي وتدمير لكثير من الطرقات وغيرها من الخدمات العامة وفي هذا الوقت العصيب ظهرت بعض الأصوات التي تجمل في اللوم والملامة في هذا الوقت الذي لم يستيقظ الناس فيه بعد من هول الفاجعة يزيد الألم ألما ويعمق الجراح.
فعلى الرغم من الوقفة الرائعة من قيادة هذا الوطن إضافة إلى وقفة العديد من الجمعيات والمؤسسات الخيرية من كل أرجاء الوطن مع أهالي جدة ومواساتهم لما أصابهم فإن البعض يرغب في نشر بعض الأفكار التي تسيء إلى جدة ويعم ذم المسؤولين في الدوائر الحكومية فيها بأنهم فاسدون وأن ما وقع هو دليل فساد الإدارات الموجودة، وتارة ينسب إلى جدة على أنها مدينة الأمراض والتلوث البيئي وما يوجد فيها وفي أسواقها ومرافقها العامة لا يوجد في أي مدينة أخرى من مدن المملكة وتارة يوصف أهلها بأنه لا موقف لهم فالمشاكل في مدينتهم كما هي منذ عشرات السنين ولم يفعلوا شيئا لها فلماذا عندما وقعت الكارثة قاموا يصرخون وهكذا وجدت جدة نفسها بأنها بدلاً من أن تكون المدينة العصرية النموذجية عروس البحر الأحمر فقد أصبحت عكس ذلك.
إن من يقوم بإلقاء هذه التهم عليه أن يتقي الله وأن يراعي أحوال الناس وأوضاع المنكوبين الذين فقدوا أبناءهم وذويهم ومساكنهم وسياراتهم وخرجوا من هذه الأزمة وقد خسروا كل شيء ، كما أن عليه أن يتدبر فيما يقع في كثير من المناطق الأخرى.
ستبقى جدة بوابة الحرمين ومعلماً من معالم الشموخ في هذا الوطن وسيبقى أهل جدة سنداً وأنموذجاً مهما واجهتهم الظروف وتكالبت عليهم الأزمات، وسيبقى أهالي وسكان جدة عائلة واحدة مهما أخطأ منهم من أخطأ فهؤلاء شواذ والعبرة بالأصل ، وما تحتاج إليه جدة اليوم هو تطبيق لما سبق أن أعلن عنه في القرار الملكي من محاسبة للمسؤولين على ما يقدمونه من أعمال والتأكد من أنها تمت وفق المواصفات والمقاييس وعلى الرغم من أن السيول كشفت ما في جدة من فساد إداري فإنني أسأل الله أن لا يبتلي جزءا آخر من هذه البلاد الطاهرة، والمراقبة هي الطريقة المثلى للوقاية من الفساد الذي إن لم يجد رادعاً فسيواصل انتشاره لا سمح الله.