تأثير أزمة ديون دبي في المملكة.. هل آن الأوان لتشريعات جديدة؟

لكل سؤال إجابة، فما سمعناه من محافظ البنك المركزي السعودي في رده على أسئلة «العربية» هو عن تعرض البنوك السعودية لمديونية شركة دبي العالمية، فأجاب بأنها لا تتجاوز 2 في الألف من الميزانية المجمعة للبنوك السعودية. وهي حسب موقع أرقام على الإنترنت تمثل نحو 2.7 مليار ريال فقط. ولكن ما هو أهم للمتعاملين في السوق السعودية هو التأثير في سوق الأسهم السعودية والاقتصاد السعودي ككل. وهو ما سأجيب عنه بالتطرق أولاً إلى تأثير أزمة دبي في سوق الأسهم السعودية ومن ثم الاقتصاد الكلي.

أولاً: سوق الأسهم

يبدو أن التأثير المباشر سيكون في القطاع البنكي. فالبنوك السعودية (ربما) شاركت في شراء سندات وإقراض الشركات الإماراتية، ومنها إقراض الشركات السعودية التي تستثمر في دبي. ناهيك عن أن البنوك السعودية (قد تكون) مولت مجموعات سعودية أو أفرادا سعوديين لشراء سندات وأسهم في شركات إماراتية ومنها «دبي العالمية». ويلاحظ هنا أنني أستعمل صيغة (ربما) و(قد تكون) في إشارة إلى أن أي من البنوك السعودية لم يعلن أو يؤكد أيا من هذه الشكوك. إلا أن متابعتي والتعامل مع أنشطة البنوك السعودية سابقاً وحالياً يجعل هذه الشكوك حقيقة واقعة أكدها محافظ البنك المركزي السعودي بنسبة الانكشاف التي لا تتجاوز 2 في الألف. والماضي القريب يؤكد انكشاف بعض البنوك السعودية في تعاملات مع الشركة الأمريكية المنهارة إيرنون، وبنك الاعتماد، ناهيك عن تعرض البنوك إلى مجموعتي معن الصانع والقصيبي. وفي كل الحالات لم يعلن أي من البنوك تلك الانكشافات على الإطلاق. الأمر الذي يجعلنا نؤكد تلك الانكشافات، ونطالب بالإعلان عنها لكل بنك على حدة.
وفي المدى القصير - المتوسط (سنة إلى سنتين) فإن تأثير أزمة دبي في سوق الأسهم السعودية يتمثل في أن البنوك السعودية قد تخفض من مستويات الإقراض للشركات السعودية نتيجة التحفظ المتوقع استمراره لسنوات مقبلة. ناهيك عن عدم قدرة البنوك الرأسمالية على إقراض الشركات في ظل التراجع الكبير الذي ستتبناه البنوك الأجنبية في إقراض الشركات الخليجية ومنها السعودية. وسيتزامن مع ذلك ارتفاع تكلفة الإقراض، الأمر الذي سيؤدي إلى انخفاض هامش ربحية الشركات السعودية، ومنها المدرجة في سوق الأسهم السعودية.
وتفادياً لمثل ذلك، قد تلجأ بعض الشركات السعودية لرفع رؤوس أموالها لتمويل عملياتها وأنشطتها الاستثمارية، خصوصاًً أن إصدار صكوك أو سندات لأغراض التمويل قد لا يجد الإقبال المأمول نتيجة أزمة الثقة التي تعيشها شركات دبي وبعض الشركات الخليجية، ناهيك عن ارتفاع تكلفة العائد على الكوبون نتيجة التوقع بتراجع التصنيف الائتماني لتلك الشركات. مما قد يؤدي إلى الضغط على توسعات تلك الشركات وهامش الربحية لديها، وهو ما سيؤدي إلى تراجع واضح في سوق الأسهم ليعكس الأسعار العادلة لأسهم الشركات المدرجة.

ثانياً:- الاقتصاد الكلي

يبدو أن أولى نتائج أزمة دبي ، وكذلك أزمة الصانع - والقصيبي، والتعامل الحكومي معها قد شكلت نوعا من عدم الثقة بتقييم التصنيفات الائتماني، مع ما يتزامن مع ذلك من أن وكالات التصنيف الائتماني ستعمد إلى خفض التصنيفات الائتمانية لمعظم الشركات السعودية وخصوصاً شبه الحكومية مثل سابك، والكهرباء ، والاتصالات السعودية، مما سيرفع من تكلفة الإقراض، ويهدد نمو القطاع الخاص الذي أصبح يشكل حجر زاوية مهمة في المساهمة في النمو الاقتصادي. وقد تضطر الحكومات الخليجية، ومنها السعودية لأن تسهم في عملية الإقراض عن طريق الصناديق المتخصصة.
وسيكون الإنفاق الحكومي هو المحرك القوي للاقتصاد، لكنه يتطلب مستوى مرتفعاً من أسعار النفط لتمويل الموازنة الحكومية. وقد ينطوي على ذلك أيضا عجوزات في موازنة الحكومة السعودية، مما سيؤثر بالتالي في النمو الاقتصادي المحلي. وقد تترك أزمة دبي بعض الآثار السلبية في الوحدة الخليجية، إذ إن توحيد العملة الخليجية قد يشهد تأخرا إجباريا نتيجة الظروف الاقتصادية التي تمر بالمنطقة، ناهيك عن أن الدولار نفسه قد يشهد مزيداً من الضعف، مما يربك حسابات صانعي السياسات النقدية. إن التغلب على هذه المصاعب المتوقعة يتطلب الاستفادة من الدروس السابقة في التعامل مع الأزمات العالمية، حيث إن الوقت الحالي يتطلب من الحكومة الدخول بقوة لإنقاذ الشركات، بتبني أنظمة تشريعية لقضايا الإفلاس، وحدود الدعم والتدخل الحكومي لإنقاذ الشركات الكبيرة خاصة أو شبه حكومية، وكذلك الشركات العائلية. مع حث البنوك المحلية على مزيد من الإفصاح والشفافية، وتشجيعها على الإقراض بطريقة احترافية لا تنطوي على الرعوية والمزاجية من قبل البنك المركزي لأن المزاجية والرعوية تجعل من الصعوبة قراءة التوجهات الاقراضية لقطاع البنوك، وتسهم في إخفاء كثير من المعلومات الائتمانية الضرورية لعملية الإفصاح والشفافية التي تتطلبها السوق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي