وللمرضِ رحلةٌ..
* أهلاً بكم في مقتطفات الجمعة رقم 326
***
* حافزُ الجمعة: من كان متصلاً بعملٍ من الأعمال ثم طفح خطأ تأذى منه الناسُ، فلا يبحث عن مشاجبٍ يعلقُ عليها عواقبَ الخطأ. إنه عملٌ قـَبـِلـَهُ وارتضاه، وبالتالي عليه أن يعترف أنه يتحمل المسؤولية حتى ولو كان الخطأُ وقع بغفلةٍ منه أو بعدم درايته طالما أنه وقع في دائرة مسؤوليته. فإن أول حلول الخطأ، هو اعتراف صاحب المسؤوليةِ به.
***
* حدَثُ الأسبوع: تستقبل البلادُ اليومَ، إن شاء الله، وليَّ العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز، قادماً من رحلة نسميها ''رحلة الشفاء''. فهي رحلةُ شفاءٍ ليس فقط من المرض، بل شفاء في النفس والروح والبدن. فالأميرُ سلطان لم يُفصح عن مرضه كما أعلـَن عن تحسّن صحته، وهذه رِفعَةٌ وجدانيةٌ تفاؤلية، فإنك حين تتفاءل ستبقى حيّاً حتى آخر حياتِك، وعندما تتشاءم فإنك تعلنُ عدميتـَك من أول حياتِك. وكان الشفاءُ في عدم الاستسلام لاقتضاءِ المرض أمام اقتضاء المسؤولية، فاستمر الأميرُ سلطان عقلاً وواقعاً في كل مراحل مرضِهِ مع مسؤولياتِهِ تجاه بلاده، ولم يغب عن الأحداثِ، وشارك في حلـِّها وصنعها. وهي رحلةُ شفاءٍ في مدى جلَد الإنسان القوي المتفائل العامِر بالإيمان، لم نرَ الأميرَ يوماً يمارس ما يجب أن يعمل به المريضُ، فلم نشاهده إلا بكاملِ إهابه، بكامل موجباتِ أعماله، يستقبلُ ويجتمعُ ويناقش، وكأن المرضَ دافعٌ ومحفـِّز، وكأنه استيلادُ طاقةٍ من مكانٍ حَسِب البعضُ أن الطاقاتَ فيه تضيع. إنه الشفاءُ بالابتسامةِ وهي عنوانٌ عريضٌ لشخصية الأمير سلطان، وكنا مستعدين أن نراهن أن الابتسامة المشرقة لن تغيب عن وجهِهِ، إلا في ظرفٍ مرضي يهز أركان النفس فلم نكن على استعدادٍ للمضيِّ في الرهان، فإذا الابتسامةُ تكسب، ولم يغلب المرضُ الابتسامة، ولعلّ الابتسامةَ هزمتْ المرض. وهو شفاءٌ في القيمةِ والتعاطفِ الإنسانيّيْن، فالأميرُ سلطان يسعى إلى أن يحمل لقبَ الخيِّرين والمُحسنين قبل أي لقبٍ آخر، وهي رغبة بدا واضحا أنه يعملها بتلقائيةِ شخصيته، وليس اكتسابا متعمَّداً على طبعِه، مع أن التعمّدَ في الخيرِ محمود، فلم ينقطع من الأميرِ سبيلُ خيرِهِ وإحسانِه وعطفِه في مجالاتِ العطاءِ الإنساني بأنواعه.. ويحقّ للأمير أن يتفاءل أن اللهَ منَّ عليه بفرصةٍ ليعرف هو، كما عرفنا نحن، مدى عمقِ صمودِه، ورحابةِ الأملِ لديه، وتردّد صدى الإيمان من العقلِ للوجدان.
***
* شخصية الأسبوع: ''فرمان علي خان'' باكستاني مسلمٌ إنسان. ''فرمان علي خان'' بطلٌ في زمانٍ عزّتْ به البطولة، شهمٌ في وقتٍ ندَرَتْ فيه الشهامة. ''فرمان علي خان'' كأنه رجل خرج من فرسان الأحلام، لا يأبه لحياتِهِ نفسها في سبيل أن ينقذ حياة الآخرين. ''فرمان'' أكبر من الواقع، وأقوى من الحقيقة، في عصرٍ الحقائقُ فيه حقيقة المنافع، والواقع فيه واقعية أن تحيا أولا ثم يأتي من بعدك الآخرون. تمنيت لو أني اخترتُ هذه الشخصية الأخاذة التي أتت مباشرةً من منابع الإنسانية بصفائها الكلي، ولكن التي أشارت بها إلي هي القارئة الفاضلة والمتابعة ''أم غادة''، فحين كانت في قمةِ التعبير عن حزنِها وأساها لم تنس أن تعتزّ وتنقل الامتنانَ والفخرَ لبطلِها، وبطلنا جميعاً، فرمان علي خان. لن نستطيع أن نفهم سيكولوجية الأبطال النبلاء أبداً؛ كيف لرجلٍ مهما كان أن يُضحّي بحياتِه لينقذ حياة أشخاص لا يعرف من هم، وهو يعرف أن وراءه بنات صغار يحتجن إلى كل خليةٍ نابضة في طاقته، وأنهن في حاجة إليه أكثر من أي شخص على وجه الأرض.. لن نفهم عقلية الأبطال إلا عندما نكون نحن أبطالا. ''فرمان علي خان'' علمنا بدرسٍ لا ينقـض معنى الإنسانيةِ في ذروتها العليا.. وعلينا أن نرد ولو القليل لبطولةٍ لا تُقيَّمُ بسعرٍ أرضي، كسعوديين، حكومة وشعباً، في رعاية أسرته. فباعتقادي أنه لما أنقذ أربعة عشر روحاً في طوفان جدة، وألقى بنفسِه لمواجه خطر الموتِ في سبيل إنقاذ الخامس عشر، فإنه استودع بناتَه لدينا جميعاً.. وعلينا أن نثبت لفرمان أننا أهلٌ لتلك الأمانة.
***
* تحية الجُمعة: نفتخر بشاباتِ وشباب جدة. كلما تهاونا في معرفة قيمة طلائِعنا الشابة الحقيقية، ثم ملنا لذكر مثالبهم وسلبياتهم، كلما بزغوا بشرَفٍ جديد.. وأسكتوا اللائمين. شبابُنا لا يقفون عن إبهارنا، حتى أني شخصيا تعبتُ من الجري وراء إنجازاتهم.. نعم، لقد أتعبني الشباب. في جدة وبتلقائيةٍ عفويةٍ، وبأنفُسٍ لا تعرف إلا الرحمة والتفاني في العمل من أجل أحبائهم أهل مدينتهم، قاموا فعلاً بكل شيء.. وتصلني الرسائلُ، كما تصل لغيري، عن بطولاتِهم، ولكن هم لا يحكون عن أنفسِهم، بل الآخرون يحكون عنهم، كما كتب عنهم بافتخارالأستاذ ''إبراهيم محمد باداود'' في هذه الجريدة بمقال عنوانه يحمل معانيه '' شباب جدة هم الأمل''. أمة يحملُ شبابُها أملـَها ستنهض رغم التحديات. على أن هذا ليس كل المشهد، لجانُ الشبابِ التطوعية تعدّدتْ في كل البلاد لإغاثة جدة، في الرياض، وفي الدمام والخبر والقطيف، والمدينة، وحائل والقصيم.. ظاهرةٌ نسميها ''متلازمة البطولة''.. تحية لشبابِ بلادي.
***
* ما دمتم للحقِّ أنصَارَهُهيهاتَ أن ينـْتَصِرَ الباطِلُ