جدة .. هل نستاهل؟
جداوي قح, وحبي لجدة ما هو إلا جزء من حبي لهذه الأرض المقدسة, وهذه المملكة الحبيبة, وهذه الأسرة المالكة, التي وحدتنا ورفعت رؤوسنا بين الأمم. جداوي يتذكر شرب الماء من الزير والقربة والزفة والبرميل ثم من الشبكة وأخيرا قوارير معبأة. جداوي يذكر السيل يمر من حارة الهنداوية عندما نزور أقارب لنا نتفرج على ما يحمل من خشب وأغراض مختلفة ذاهبا بها إلى البحر، كان الناس على فطرتهم ولم تدخل الدنيا قلوبهم فلا يبنون في مجاري السيول، ونمت جدة بالطول والعرض وخرجت جدة من سورها حتى أصبحت غريبا في كثير من أحيائها, ودفن شاطئها حتى لا نزيل بيوت البحر على الكورنيش ونعوضهم لنوفر للميزانية, ودفنا البحر, واغتصبنا ما في البحر من حياة طبيعية, وكلما زاد سعر متر الأرض توسعت جدة حتى وصلت إلى الجبال والأودية، مبان بخدمات معدومة وسفلتة مزيفة نرى عدة شوارع رئيسية تسفلت وتنار وتخطط سنويا وخلفها شوارع لا يلتفت إليها بالسنوات، وكأنهم لا يعلمون أن ما يخفونه معروف ومفضوح. حتى شبكة المجاري مزيفة وأراض مملوكة بآلاف الأمتار وسط المدينة لا زكاة عليها ولا ضريبة، تبقى لتزيد من رصيد ملاكها ويضطر المواطن إلى شراء أرض له أو لابنه عند سفوح الجبال. شارع مسموح البناء فيه أربعة أو ستة أدوار يُبنى عليه برج 20 طابقا ونتركهم في حالهم. لا أريد أن أبكي على جدة, فقد بكيتها كثيرا, لكن أبكي على حالنا. نسمع عن الفساد ولا نتحرك، فهذا موظف حكومي من هنا أو هناك يخرج من الوظيفة ولديه الملايين ويستثمر داخل البلد وخارجه، مصاف وقرى ومنتجعات ومدن سياحية ولا نتحرك. كما قال أميرنا يجب ألا تكون هذه فرصة لتصفية الحسابات، ونحن لن نحاسب أحدا, بل نترك ذلك لله - سبحانه وتعالى - ثم للدولة أن تحاسبهم، وقد نجد في النهاية أننا كلنا مشاركون في هذه القضية بطريقة أو بأخرى.إن لم ترغب الحكومة في فرض ضريبة متدرجة على الأراضي البيضاء غير المستخدمة داخل الحيز العمراني في جميع المدن فلتتكرم بفرض ضريبة أو رسوم سنوية في محافظة جدة على كل شقة غير مؤجرة أو أرض بيضاء غير مبنية على أن تصرف هذه الرسوم على المدينة نفسها عن طريق المجالس الموجودة فيها بإشراف أمير المنطقة والمحافظ، ولنجرب نتائج الضريبة على جدة قبل تعميمها إن نجحت أو نطورها.
إن الأنانية والجبن من أسباب ما حصل لجدة, فتراهم يحبطون عزيمتك إن أردت أن تنتقد.. ألا تخاف على مصالحك؟ أو سيعطلون تراخيص بنائك أو شهادة زكاتك إلى آخر عبارات التخويف والإحباط. سألني صديق من القصيم: لماذا يدخل الموظف في أمانة القصيم أو الرياض ثم يخرج وهو ''يا دوب ساتر حاله'' ويخرج موظف الأمانة عندكم هذا إن خرج وهو صاحب عقارات وملايين؟ فأجبته ليس كلهم، يوجد المخلص والشريف وليس في الأمانة فقط, بل في التجارة وكتابة العدل والكهرباء والجمارك وغيرها من الدوائر ولكن يوجد فيهم من خرج يمتلك الفنادق والمخططات والقرى خارج المملكة حتى مصافي النفط، حتى أصبح هذا من المألوف. فمن لا يأخذ مباشرة تجده شريكا مع المقاولين وأصحاب المصلحة من رجال الأعمال سواء شركاؤهم أو أقرباؤهم, وإذا كنت شاطرا أثبت عليهم. ويقول المثل قال لأبيه ''ليه ما تصرف وتفرحني، قال له لمن يموت اللي يعرفني''.
كنا نسمع معاملتك معقدة اذهب إلى المكتب الاستشاري الفلاني - طبعا التابع للمهندس الحكومي الفلاني أو المتعاون معه بنسبة على كل مشروع - حتى يسهل معاملاتك, وهذا ليس في الأمانة فقط بل في غيرها. تريد طلب استقدام يرفض لك في بعض الأوقات لأسباب ولكن تجد من يحضر لك التأشيرة أو يبيعك التأشيرات, حتى الوسيط ليس مواطنا فتقول اللهم استر. وسألت أحد الموظفين المعنيين بمراقبة الفساد قبل 20 سنة، ولم يكن مستشريا مثل اليوم، لماذا لا تمسك بهؤلاء؟ فكان رده, الله يرحمه، كيف أمسك الصغير ويعاقب وأضبط الكبير ويترك، فلا أستطيع أن أظلم الضعيف والله يغفر لي. نسمع عن مشاريع حكومية ولكن بعضها يرسى بالتكليف والسعر بالأضعاف ثم نريد أن نحاسب الأدنى سعرا ونحن نعلم أن هذا المقاول لا يمكنه إنهاء المشروع. نرى شوارع تحفر من جهات مختلفة ثم تعاد سفلتتها وبعد يومين تبدأ المطبات تظهر, ولكن لا فائدة, ونتساءل كيف تسلم الشارع من المقاول؟ وكيف تسلمه الموظف الحكومي؟ وهل توجد فترة ضمان يطالب بإعادة عمله مرة ومرات أم امسك لي واقطع لك؟ مئات الملايين من المخصصات لشبكة الصرف الصحي ابتلعت ولم تكن المجاري التي فعلت ذلك لأنها كانت فتحات مغطاة دون شبكة متصلة. ونسمع بالتحقيقات لعظم المبلغ ولكن لا عقاب معلنا، إن لم يكن عفوا ضمنيا، فهل لنا أن نتساءل: ألا يشجع ذلك على سرقة المال العام؟
رأيناهم يغتصبون حدائق وشوارع وأراضي الغير وتصدر صكوك على أراضي الغير مرة وأكثر وكل مين وشطارته أو مركزه، فما دام هناك من هو فوق القانون فلا فائدة من محاربة الفساد. جزى الله خادم الحرمين الشريفين خيرا، الذي لم يستثن أحدا كائنا من كان.
ويتحدثون عن العشوائيات ومنها ما هي من مخططات الأمانة, ولا أعلم كيف نترك العشوائيات الحقيقية ثم نقارنها بحي الرويس؟ نعم فيه قسم ممكن أن يعالج ولكن أن نخطط يمينا وشمالا حتى نتجنب أرض زيد أو مواقع عبيد ثم نقول هذا هو المشروع المطلوب، وسيكون هناك البديل للملاك، ولكن أين يذهبون إذا كان التعويض لا يكفي البديل لا في القيمة ولا في الموقع؟ وأين تذهب عائلات الرويس أو بالأحرى ولايا جدة ولماذا نبتلي المواطنين في عيشتهم ونظلمهم، وإلا المصالح والشركات أهم من مواطنين ضعاف لا يُسمع لهم وماذا سيفعلون؟ أليس هذا ظلما واضحا لأنفسنا والأكثرية صامتة لا تتحرك؟
على لجان التحقيق أن تصل إلى من كان يقول لا ميزانيات لمجاري السيول لأن جدة ما يجيها مطر، وكأنهم يدفعون من جيوبهم ونتركهم ونقول وإحنا مالنا!
الأنظمة الرسمية تلزم الجهات الحكومية بأرقام التعداد الرسمي، ولذلك في إمارة مكة المكرمة نحو المليون غير معترف به ولذلك لا يخطط لخدماته وتصبح جميع الحلول ناقصة. جدة محافظة تشملها منطقة مكة المكرمة، فإذا قارنا ميزانيات مدينة مكة المكرمة ذاتها ومحافظة جدة، مقارنة بالمناطق الأخرى إذا اعتبرنا عدد السكان الحقيقي هو الأساس وحسمنا ما هو مخصص للمشاعر، سنجد أن ما يبقى لهما لا يفي بالمطلوب، ارجعوا للأرقام 30 سنة ماضية ثم احكموا.
محافظة جدة تحتاج إلى هيئة عليا للتطوير يرأسها الأمير خالد الفيصل ويكون لها مجلس استشاري لا يقل عن 40 من خبراء وأبناء المحافظة ليدلوا بدلوهم، أما القرارات فتتخذها الهيئة مع مجلس المنطقة والمجالس الأخرى.
الحلول كثيرة وواضحة فمن سيتخذ القرار؟