«رؤيتي» لدبي .. يمكن مساعدتها في قمة الكويت المقبلة
أهدرت بحار من الحبر منذ إعلان دبي عن تأجيل دفعات تستحق في 14 كانون الأول (ديسمبر) الحالي، البالغة نحو 3.5 مليار دولار أمريكي. جاء الخبر وكأنه صاعقة على المشهد الدولي وبالذات البريطاني صاحب النصيب الأكبر من القروض الممنوحة (50 مليار دولار) لدبي. فهناك توجس إقليمي ودوليُ من تضخم الأزمة المالية التي تمر بها دبي حتى وصل بالبعض إلى توقع إعلان إفلاس الإمارة. وهناك على الضفة الأخرى من قلل، بل همش من المشكلة وكأن لم يحدث شيء على الإطلاق!
بداية وبشكل موجز، آمل ألا نخل بالتصور الحقيقي للمشكلة. دبي لديها ديون كبيرة تراوح ما بين 80 و100 مليار دولار. ومصدر تلك المعلومات ليست حكومة دبي، وإنما من الدول الغربية وبالذات بريطانيا. وقد تكون تلك الأرقام دقيقة وقد لا تكون كذلك! وحسب البيانات الرسمية للبنك المركزي الإماراتي حتى تشرين الأول (أكتوبر) 2009م، نجد أن حجم التمويل الممنوح من المصارف العاملة في الإمارات يتجاوز تريليون درهم بقليل (1020 مليار درهم)، وهو ما يعادل 1042 مليار ريال (277.9 مليار دولار أمريكي). الأمر الذي يعني أن حجم الإقراض يتجاوز الناتج المحلي لدولة الإمارات، حيث بلغت نسبة القروض إلى الناتج المحلي نحو 122 في المائة (الناتج المحلي بلغ 228.6 مليار دولار أمريكي). وتشير بعض الأرقام غير الرسمية إلى أن نحو 30 في المائة من حجم هذا الإقراض من نصيب إمارة دبي وحدها التي يمثل الأجانب فيها أكثر من 90 في المائة! الأمر الذي يعني أن الإمارات الشقيقة لديها أعلى معدل إقراض على مستوى دول الخليج بما في ذلك السعودية رغم الفرق الكبير في حجم الاقتصادين وعدد السكان، حيث لم يتجاوز إقراض المملكة الممنوح من القطاع المصرفي 792 مليار ريال (211.2 مليار دولار أمريكي)، بينما القروض الممنوحة من قبل القطاع المصرفي الإماراتي بلغت نحو 41 في المائة من إجمالي حجم التمويل الممنوح من قبل القطاع المصرفي الخليجي البالغ نحو 2555 مليار ريال (681.3 مليار دولار أمريكي). وهو بلا شك رقم ضخم جدا. مع ملاحظة أن هذه الأرقام تمثل فقط القروض الممنوحة من قبل القطاع المصرفي العامل في الإمارات، والمسجل داخلها ولا يشمل القروض الخارجية سواءً الممنوحة للقطاع الخاص أو للحكومة رغم ضبابية العلاقة بين القطاعين الخاص والعام في دبي تحديداً!
المؤشر الآخر المهم في معرفة حجم المشكلة أن هذه القروض الممنوحة من قبل القطاع المصرفي الإماراتي (277.9 مليار دولار أمريكي)، تمثل أيضا نسبة 103.7 في المائة من إجمالي الودائع لدى القطاع المصرفي (267.7 مليار دولار أمريكي)! وهو أمر بالغ الخطورة فيما يخص موضوع السيولة تحديداً، الأمر الذي يفسر تدخل البنك المركزي الإماراتي أكثر من مرة لضخ مزيد من السيولة في القطاع المصرفي منذ بداية الأزمة المالية العالمية. وهذا عملياً يعني أن القطاع المصرفي أقرض أكثر مما يملك من ودائع حسب الإحصائيات الرسمية للبنك المركزي الإماراتي في تشرين الأول (أكتوبر) 2009م. باختصار هذا حجم المشكلة دون تهويل أو تصغير من منطلقات مختلفة لكل منهم!
السؤال الأهم، ماذا سنفعل ونحن على أعتاب القمة الخليجية المقبلة في 16 كانون الأول (ديسمبر) في الكويت، التي نأمل أن تكون في مستوى التطلعات للشعوب الخليجية، وبالذات في شقها الاقتصادي. يفترض البت في موضوع العملة الخليجية الموحدة! كيف يمكن مساعدة دبي بشكل خاص والإمارات بشكل عام للخروج من الوضع المالي الحالي؟ ما إمكانيات الدول الخليجية الأخرى لمساعدة الإمارات؟ كان آخر مقال كتبته في صحيفتنا ''الاقتصادية'' قبل عيد الأضحى المبارك تحت عنوان ''مشكلات التمويل في دول الخليج.. ليست متشابهة''، أكدت فيه أن القروض وطريقة التعامل معها والضوابط التي تحكمها، وأساليب الإشراف الرقابية المصرفية، ليست متشابهة بين دول الخليج، وبالتالي علينا أولا عندما نتحدث عن الخليج ألا نخلط الأمور ونتحدث عن دبي مثلا وكأنها تمثل الخليج، وبالتالي مشكلاتها هي مشكلات الخليج. بصراحة نتمنى أن نصل إلى مرحلة من التكامل، حيث إن مشكلاتنا تكون واحدة. لكن على أرض الواقع، لا يزال هناك بون شاسع بين اقتصادات دول الخليج. أما كيف يمكن مساعدة الإمارات ودبي تحديداً، من خلال دول الخليج الأخرى عبر مجلس التعاون الخليجي، فأعتقد أن أفضل مساعدة يمكن أن تقدم لدبي وللإمارات عموماً، أن يتم تبني جزء كبير من طموح هذه الإمارة وتلك الدولة، ولكن برؤية أكثر عقلانية وحكمة. والعقلانية والحكمة تبدأ من الداخل أولاً. فلا يوجد عاقل يستطيع إنكار المنجز في دبي والإمارات. وحتى نكون أكثر تحديداً، في غالب الأحيان ستضطر دبي وخصوصا شركتي نخيل ولمتلس بيع جزء من أصولهما للوفاء بالالتزامات التي عليهما والتي ستحل في عام 2010م وتقدر بنحو 12 مليار دولار، وفي 2011م بنحو 19 مليار دولار، وفي 2012م بنحو 19 مليار دولار، خصوصاً تخلي حكومة دبي المالكة للشركة عن ضمان تلك القروض، السؤال: لماذا لا تكون تلك المشاريع العملاقة المتعثرة، نواة لمشاريع خليجية مشتركة مع جميع دول الخليج بحيث تتم إعادة هيكلتها بما يتناسب مع توجهات جديدة يتم وضعها بالاشتراك بين دبي ومستثمرين خليجيين؟ هذا هو الحل العاجل والسريع. وأعتقد أن المسؤولين يفهمون ما أرمي إليه! أما على المدى الطويل، فآمل من كل قلبي أن يلتفت زعماء الخليج إلى نقطة في غاية الأهمية فيما يخص الجانب الاقتصادي تحديداً، وهي العمل بكل إخلاص على إيجاد صيغة توافقية للتكامل الخليجي بدلا من التنافس الحاصل اليوم، الذي قد يؤدي لتوسيع رقعة القاعدة الهشة ومن ثم السقوط المرير. لا يمكن أن تكون جميع دول الخليج مراكز مالية! ولا يمكن أن تكون كل دول الخليج مراكز إعادة تصدير! ولا يمكن أن تكون دول الخليج مجتمعة مراكز استثمار! ولا يمكن أن تكون كل دول الخليج مناطق صناعية وإنتاجية! ولا يمكن أن تكون دول الخليج كلها مراكز خدمية! أعتقد أن لكل دولة خليجية ميزات تنافسية نستطيع من خلالها إيجاد صيغة تكاملية واقعية تخدم الاتحاد الخليجي بشكل واقعي بعيداً عن الشعارات الرنانة! وإلا ستكون أزمة دبي التي بدأت اليوم، ما هي إلا بروفة، لمشكلات مالية كبيرة مقبلة لدول الخليج! هذه هي ''التحديات في سباق التميز''، والله من وراء القصد.