المياه .. درس من مدغشقر

قبل أيام أعلنت حكومة مدغشقر إلغاء صفقة لتصدير المياه إلى المملكة بعد تعرضها لحملة معارضة كبيرة من قبل جماعات بيئية ومدنية.
وكانت الصفقة تقضي بتصدير ما نسبته 1 في المائة أي نحو 260 ألف متر مكعب يوميا من مياه نهر فاروني وهو أحد الأنهار الصغيرة في جنوب شرقي مدغشقر التي تحتوي على عشرات الأنهار، وكان هذا المشروع سيدر على خزانة حكومة مدغشقر 60 ألف دولار يوميا وهو مبلغ ليس بالقليل بالنسبة لمدغشقر، إلا أن جماعات الضغط استطاعت إجبار الحكومة على إلغاء المشروع للمحافظة على الموارد الطبيعية.
وقبل ذلك ألغت مدغشقر صفقة مع كوريا الجنوبية لاستئجار مليون هكتار لزراعة منتجات غذائية تحتاج إليها كوريا الجنوبية من أبرزها الذرة التي تعد كوريا الجنوبية ثالث أكبر مستورد لها في العالم.
هذا الأمر يعني أن الاعتماد على الاستيراد لتوفير المواد الأساسية لحياة الناس من ماء أو غذاء عن طريق الزراعة في دول أخرى، أو عن طريق الاستيراد بعقود طويلة الأجل أمر غير مأمون، وقد يكون مجالا للمماحكات السياسية، أو الصراع على السلطة في تلك الدول .
كما يفتح هذا الموضوع باباً مهما لنقاش موضوع حيوي وهو أهمية المحافظة على الثروة المائية عبر سن قوانين وتشريعات تمنع إنتاج منتجات تعتمد أساسا على المياه أو تستنزف كميات كبيرة من المياه بهدف التصدير إلى الخارج، بل يجب أن يكون الإنتاج في حدود حاجة الاستهلاك المحلي، وإذا توافر البديل الخارجي فالاستيراد يكون أجدى وأكثر فائدة في سبيل الحفاظ على ما تبقى من ثروة مائية قليلة جرى استنزافها بشكل كبير خلال السنوات الماضية.
ما نحتاج إليه كذلك هو إعادة النظر في تعرفة استهلاك المياه المنخفضة، فهي بوضعها الحالي تشجع على الاستهلاك دون حساب للمستقبل، بل وتدفع للتبذير في استهلاك مياه الشرب في أغراض لا علاقة لها بحياة الإنسان.
إن الحفاظ على الموارد الطبيعية والحد من إنتاج ما يؤدي إنتاجه أو تصديره إلى استنزافه، أو الإضرار بالبيئة أمر يلقى عناية واهتماماً كبيرين من حكومة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - وصدور أمره الكريم بوقف تصدير الرمل والبحص يأتي انطلاقا من هذا الاهتمام.
والتساهل في موضوع المياه سواء عبر الاستنزاف المحلي في زراعات لا تشكل إضافة إلى الاقتصاد الوطني مثل الأعلاف، أو عبر مشاريع تعتمد على المياه وتتجاوز في الإنتاج الاحتياجات المحلية إلى مرحلة التصدير مثل الألبان والعصائر، يشكل خطورة كبيرة على الثروة المائية التي يرى كثير من الخبراء أنها ستكون مصدر أزمات سياسية وأمنية في المنطقة مستقبلا .
فهل نرى قراراً حازماً يحد من هذا الاستنزاف الكبير للثروة المائية، ويجعل ما يستعمل منها بقدر احتياجات البلد، وهل نرى قراراً آخر يرفع تعرفة المياه لتصل إلى حد لا يضر المستهلك، وإنما يجعل لهذه الثروة المهمة قيمة لدى المستهلك؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي