الفوائد الاقتصادية للحج
يسهم اقتصاد الديار المقدسة في تنشيط الدورة الاقتصادية في السعودية. فحسب أفضل الدراسات المتوافرة، تزيد القيمة الاقتصادية للفعاليات المرتبطة بالديار المقدسة أي الحج فضلا عن العمرة على مدار السنة على 30 مليار دولار. يشكل هذا الرقم نحو 8 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي للسعودية الأمر الذي يعكس الأهمية النسبية الكبيرة للأنشطة المرتبطة بالمشاعر المقدسة. ويغطي المبلغ على عديد من الفعاليات المرتبطة بالمشاعر المقدسة مثل الإقامة والأكل وتقديم الأضاحي وشراء الهدايا والصرف على المواصلات والاتصالات وغيرها من الأمور المعيشية والرفاهية.
كما توفر الفعاليات المرتبطة بموسم الحج إضافة إلى العمرة فرص ذهبية للمؤسسات التجارية والصناعية السعودية لترويج مختلف أنواع السلع بين الحجيج والمعتمرين الأمر الذي يعزز من قدرتها التنافسية بين مثيلاتها في المنطقة. بل إن الفرصة تكون مواتية للشركات السعودية لتحسين مستوى منتجاتها عبر معرفة مدى تقبل الحجاج والمعتمرين. ويمكن الزعم بأن الشركات التي تجد صعوبة في بيع منتجاتها أثناء موسم الحج عليها مضاعفة جهودها لترويج سلعها في الخارج. يشتهر موسم الحج بالطلب حيث من الممكن نجاح مختلف أنواع السلع المعروضة.
أربع مدن
حقيقة القول، تستفيد أربع مدن واقعة في غرب المملكة من موسم الحج والعمرة وهي بالتحديد مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة والطائف. يعتبر مطار الملك عبد العزيز في جدة بوابة الوصول إلى الديار المقدسة، حيث يستقبل ثلثي الزوار القادمين من الخارج.
كما يقوم بعض الزوار الميسرة أحوالهم وخصوصا القادمين من الدول الغربية بجولات في بعض الأماكن الأخرى في المملكة المترامية الأطراف مثل المناطق الصناعية فضلا عن العاصمة الرياض والمنطقة الشرقية والتي بدورها تحتضن الصناعة النفطية. كما يستغل البعض الآخر الموسم لزيارة المناطق السياحية مثل عسير.
تتوافر في مكة المكرمة أكثر من سبعة آلاف بناية لسكن الحجاج عدا الفنادق المصنفة، حيث تصل نسبة الإشغال 100 في المائة. كما يقوم بعض أرباب المنازل في مكة المكرمة بتأجير بيوتهم على مقاولي الحج ومغادرة المدينة المقدسة أثناء الموسم. بل إن بعض ملاك العقارات في مكة على الخصوص يعتمدون على دخل موسم الحج لتغطية مصروفاتهم لسنة كاملة.
فوائد جمة
إضافة إلى ذلك، يوفر موسم الحج مجالا لآلاف السعوديين للحصول على فرص العمل الأمر الذي يساعد على الحد من تفاقم أزمة البطالة بين الذكور. المعروف أن الاقتصاد السعودي في حاجة إلى إيجاد نحو 160 ألف وظيفة سنويا للداخلين الجدد في سوق العمل. أيضا يقوم المئات من المواطنين باستخدام عرباتهم الشخصية لتوصيل الحجيج وبالتالي الحصول على دخل إضافي. يشار إلى أنه من الصعب بمكان معرفة القيمة الحقيقة للدخل الإضافي الذي يحصل عليه البعض بواسطة استخدام عرباتهم الخاصة وذلك في ظل غياب نظام ضرائبي متكامل.
كما يقوم بعض الحجاج من دول إفريقية مثل نيجيريا وآسيا الوسطى مثل كازاخستان وشرق آسيا مثل إندونيسيا يستفيدون من موسم الحج بجلب سلع وبيعها بأسعار خاصة على الحجاج الآخرين. كما أن عملية البيع ربما تكون هي الوسيلة الوحيدة لبعض الحجاج غير الميسرة أحوالهم لتغطية نفقات الحج أو تحقيق بعض المكاسب. واللافت أن كل سلعة تقريبا قابلة للبيع والشراء في الديار المقدسة وتشمل هذه الألعاب وأجهزة إلكترونية والملابس القادمة من عديد من الدول الإسلامية. كما أن بعض أصحاب المتاجر يجيدون كيفية التعامل مع عديد من اللغات أو على أقل ما هو ضروري لتيسير المعاملات التجارية. المؤكد أن هناك الكثير من المنافع الاقتصادية المرتبطة بالحج والتي بدورها ترجمة حقيقية لمقطع الآية الكريمة («ليشهدوا منافع ...» سورة الحج الآية رقم 28). وفي كل الأحوال، ربما يكون حجم النفقات المرتبطة بالحج على وجه الخصوص أكثر من المشهور نظرا لصعوبة الوقوف على الأرقام الفعلية فضلا عن رغبة بعض أصحاب المتاجر في التقليل من مستوى النشاط التجاري لغرض تثبيط أو عدم تشجيع آخرين لمنافستهم.
قطار المشاعر
ومن المنتظر أن ترتفع الأهمية النسبية للنفقات المرتبطة بالديار المقدسة بعد تدشين مشروع قطار المشاعر بشكل كامل في موسم حج عام 2011. وكانت السلطات السعودية قد أرست في عام 2008 مشروع قطار المشاعر المقدسة على الشركة الصينية لإنشاء السكك الحديدية لتشييد مترو بطول 18 كيلومترا يربط الأماكن المقدسة في منى وعرفة ومزدلفة في مكة المكرمة. ويتوقع أن تقل قطارات المشاعر نحو 72 ألف حاج في الساعة في الاتجاه الواحد بعد الانتهاء من المرحلة النهائية في 2011. لكن يتوقع تدشين جانب من المشروع الحيوي في موسم 2010. تبلغ قيمة المشروع نحو 1.8 مليار دولار وعليه يسهم المشروع في تعزيز النشاط الاقتصادي في المملكة عبر المشتريات المحلية.
ختاما يستفيد الاقتصاد السعودي كثيرا من احتضان أراضي المملكة للديار المقدسة. لكننا ندعو السلطات السعودية لنشر أرقام تفصيلية وبشكل دوري عن الحجاج والمعتمرين وحجم المصروفات حتى يتسنى للباحثين الوقوف على آخر التطورات المرتبطة بالقيمة الفعلية للأنشطة المتعلقة بالديار المقدسة.