سكة العشق الخليجية
القطار الخليجي الذي اعتاد السير بخطى ثابتة تحت سكة حديدية قوية أساسها صلب وحققت الإنجازات والمكتسبات العديدة, ابتداء من جسر الملك فهد الذي ربط البحرين بالسعودية حتى مشروعي الجسر القطري - البحريني والجسر القطري- الإماراتي, لكن في ظل وجود العوائق أو البيروقراطية التي أثرت في التعاون الاقتصادي بين دول المجلس, السكة الخليجية طويلة ولا يزال أمامها الكثير من الآمال والإنجازات المنتظر تحقيقها وفي مقدمتها الوحدة النقدية والتكامل الاقتصادي الذي سيعمل على إبراز دول الخليج كتكتل اقتصادي عالمي ذي نفوذ يعتد به, دول الخليج العربية التي تعيش واحدة من أفضل مراحلها أعطت القطاع الخاص الخليجي الفرصة التي انتظرها منذ فترة طويلة وأبرزت دوره المهم كمحرك رئيس في عملية التنمية, العمل الاقتصادي الخليجي المشترك اليوم أمام تحديات جمة ويحتاج إلى الكثير من التدابير والقرارات والسياسات الجريئة وتكييف الأطر التشريعية والتنظيمية الخليجية التي تصب في بحر السوق الخليجية المشتركة بمياهها العميقة والصافية حتى يعبر القارب الخليجي أهم مرحلة في تاريخ المنطقة, ويذيب الفروقات والاختلافات في السياسات الاقتصادية بين الدول الخليجية تحت وهج شمس الخليج المشرقة ومياهه الدافئة, ومن ثم سيقوى الاقتصاد وستنتعش قوى العرض والطلب في الدول الأعضاء على شرط التحرير الكامل للتجارة بالسلع والخدمات وعناصر الإنتاج, وذلك من خلال التنسيق في المجالات التجارية والصناعية والزراعية والسياسات النفطية, وإنشاء البنية التحتية وإقامة المؤسسات المشتركة التي تعمل على ضمان حرية تدفق السلع والبضائع عن طريق رفع الحواجز والتعريفات الجمركية, وإيجاد تعرفة موحدة للسلع، فعلى غرار السوق الأوروبية المشتركة برزت فكرة السوق الخليجية المشتركة، وتعتبر أول مقوماتها هو ربط البلدان الخليجية بعضها ببعض, وعلى نمط عملة اليورو يحدو الأمل بالعملة الخليجية, من هنا تأتي أهمية وضرورة الاستفادة من التجربة الأوروبية التي تمثلت في قيام السوق الأوروبية المشتركة وفتحت آفاقاً عالمية واسعة لحركة التجارة والتبادل التجاري مع مختلف أقطار العالم، ولا شك أن الدافع القوي وراء نجاح السوق الأوروبية المشتركة هو قبول الدول الأعضاء بمبدأ التنازل التي ما زالت تحتاج إليه الدول الخليجية من أجل الدفع بكفاءة الأجهزة التنفيذية والنظر برؤية بعيدة. الخلاف في الرأي أمر طبيعي ويلمس المراقب وجود إرادة جماعية بين قادة دول مجلس التعاون على إبقاء الخلاف الحدودي حاضراً كجزء من التجاذبات التي تصبح مطلوبة أحياناً للمساومات السياسية والاقتصادية، لقد حرصت جميع الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية الأوروبية على إزالة جميع الحواجز البيروقراطية التي أعاقت طريق تدفق السلع والبضائع بين دولها وتركت للعالم دروسا مهمة. الدول الخليجية أدركت أهمية تجربة الاتحاد الأوروبي بالنسبة إليها حيث سعى اتحاد مجلس الغرف الخليجية باستمرار إلى التفاوض لتوقيع الاتفاقيات التي ركزت على أهمية خلق شراكة استراتيجية بين الطرفين الأوروبي والخليجي في المجالات كافة، إقامة المعارض المشتركة بين الجانبين, تسهيل عملية الوفود التجارية وترويج الفرص الاستثمارية, ومن ثم استيعاب درس التكـــامل النقــــدي الكامل الذي أنجزته المجموعة الأوروبية عام 1999, وأطـــلق عملة اليورو التي فرضت نفسها على العالم كعملة مستــقلة وقوية, المجموعة الاقتصادية الأوروبيــــة واجهت تحديات وصعـــوبات وهي تبحر في طريقها إلى التكامل النقدي, الحلم الخليجي بكيان سياسي واقتصادي على غرار الاتحاد الأوروبي لا يزال يراود الخليجيين الذين عقدوا العزم على تحقيق الوحدة, حيث إن التطورات السياسية والاقتصادية المتسارعة إقليميا وعالميا فرضت تحديات أكبر على دول الخليج ودفعت باتجاه الإسراع في وحدتها السياسية والاقتصادية، فعلى الجانب العملي جرى بحث إنشاء شبكة خطوط حديدية تربط دول مجلس التعاون الخليجي, وتم عرض آخر المراحل التي يمر بها تنفيذ قطار الشمال والجنوب والاستفادة من التجربة السعودية في هذا المجال الذي سيفتح آفاقا جديدة في مشاريع الخطوط الحديدية بين السعودية والإمارات تمهيدا لإنشاء شبكة خطوط حديدية تربط دول مجلس التعاون الخليجي بعضها ببعض بتكلفة 14 مليار دولار وتمتد لمسافة 1940 كيلومترا عبر كل من: السعودية، البحرين، الكويت، عمان، قطر، والإمارات, وتسهم كل منها في رأسمال إنشاء الشركة, سكة الحديد هذه ستمتد على طول الخليج العربي وتصل إلى اليمن، وذلك سيحل أيضا الأزمات السياسية ويجعل من العابثين والمهربين والمتسللين تحت السيطرة, هذه الخطوة المهمة لا شك أنها تتطلب ضرورة تحرك كل الدول الخليجية لإصدار الأدوات التشريعية والقانونية التي من شأنها أن تعزز من مجمل مسارات التعاون وتسرع تطبيق ما ورد في إعلان السوق الخليجية المشتركة, وتؤكد أن دول الخليج تجاوزت مرحلة الإعداد للسوق الخليجية المشتركة والإعلان عنها, وبدأت حاليا التنفيذ الفعلي للسوق ومرحلة المتابعة والتقييم، فما شجع على تبني مشروع السكك الحديدية الخليجية واعتباره من المشاريع الحيوية هو النجاح الذي حققته تجارب النقل بواسطة سكك الحديد في العديد من دول العالم, وبعد النمو الملحوظ الذي تشهده دول المجلس في مختلف الأصعدة الاقتصادية والعمرانية والاجتماعية وحرصها على استكمال بنيتها التحتية وتقوية أواصر الترابط الاجتماعي والاقتصادي فيما بينها سيبرز أهمية مشاركة القطاع الخاص في إنجاز مثل هذه المشاريع الضخمة, ومع إعلان الشروع في إعداد التصاميم الهندسية لمشروع سكة الحديد الخليجية وإنشاء هيئة خليجية للسكة الحديدية, وذلك سيعجل في تفعيل الجزئية الاقتصادية وإزالة المعوقات التي تعترض الاتحاد الجمركي والاستثمار في مجالي التعليم والصحة وإنشاء البنوك الاستثمارية وتفعيل آلية تقديم المساعدات الإنسانية بصورة جماعية والتعاون الأمني, وكذلك تقوية الدفاع المشترك والعمل على إزالة جميع المعوقات، مشروع السكك الحديدية الخليجية يمثل أحد العناصر المهمة للبنية التحتية لشبكة المواصلات التي تربط الدول الأعضاء بمجلس التعاون، حيث سيسهل من ربط طرق المواصلات وسيقدم وسيلة مواصلات ضرورية وآمنة ومتطورة وغير ضارة بالبيئة تسهم أيضاً بشكل فاعل في تعزيز النمو الاقتصادي والتنمية وتيسير حركة تنقـل المسافريـن ونقـل البضائـع. ويقتضي التشديد هنا على أهمية وجود ترابط وتنسيق بين مشروع السكة الخليجية والمشاريع المحلية في الإمارات مثلا كمشروع ربط الفجيرة بأبوظبي ومن خلالهما بالإمارات الأخرى, علاوة على مشاريع السكك الحديدية الكبيرة الجارية في السعودية, الكثير من المراقبين أكدوا أن إنشاء السكة الحديدية المتوقع أن تكون متزامنة مع موعد العملة الخليجية بحلول عام 2010, فأيهما سيكون الحدث الأهم؟ الذي لا شك فيه أن كلا الحدثين سيكون بمثابة نقطة تحول في التنمية الاقتصادية في المنطقة, فهذه المشاريع التكاملية ستعمل على تسهيل انتقال الأفراد والسلع وتعزيز التلاحم ودفع عجلة التنمية للأمام وتنعش التبادل التجاري وتقوية القطاع العقاري, وستعمل سكة الحديد الخليجية على توحيد دول مجلس التعاون سياسيا واقتصاديا وتجعل منها قوة اقتصادية متينة تقف على رجليها بصلابة وتواجه التحديات والتكتلات الاقتصادية العالمية, وبمجرد الانتهاء من العمل في المشروع فإن مواطني دول مجلس التعاون لن يكون عليهم الانتظار لساعات طويلة في المطارات حتى تسيير رحلاتهم الداخلية التي عادة ما تتأخر, ومع استخدام القطارات الحديثة التي تصل سرعتها إلى 160 كيلو مترا في الساعة فإن الرحلات الدولية بين مدينة الكويت والدمام في السعودية، أو بين دبي ومسقط سيتقلص وقتها بمعدل 2 إلى 2.5 ساعة عن المعدل الحالي للسفر عن طريق البر, كما أن هذه السكة الخليجية ستسهل انتقال البضائع والسلع بين دول المجلس في وقت قياسي ما يدعم التنمية الاقتصادية ويؤدي إلى استقرار الأسعار في أسواق المنطقة خصوصا بعد أن كثر الحديث عن معضلة التضخم, وستوفر نقلا سهلا للبضائع والركاب ما سيطور التجارة والتوظيف في عموم المنطقة ويخفف من أزمة البطالة المزمنة, ومع أهمية الدور الذي تلعبه السعودية كمنسق للمشروع, يجب التأكيد على أهمية تجنب دول الخليج للوضع الذي تكون فيه كل دولة مسؤولة عن تنفيذ حصتها من المشروع دون الالتفات إلى سير العمل في الدول الأخرى، إلى جانب التفاتها إلى مخاطر استثمار القطاع الخاص في هذا المشروع الجديد على المنطقة وضرورة تقديم الضمانات لاستثماراته, أرجو ألا يكون الحكم قد جاء مبكرا على إنشاء مثل هذا المشروع الضخم قبل الانتهاء من إعداد الجدوى الاقتصادية التفصيلية للمشروع والدراسات التقييمية الخاصة به, وذلك بانتظار الإقرار النهائي لبدء التنفيذ العملي ليكون ضمن مشاريع خليجية أخرى كالربط الكهربائي والربط المائي وتنقل الأفراد بالبطاقة الذكية وطموحات وآمال كثيرة .. طويلة يا سكة العاشقين.