نقلة حضارية هائلة في القضاء السعودي!
من قواعد الحياة أن أي إنسان تحكمه ظروفه.. وللفيلسوف الإسباني «أورتيجا آي جاسيت» جملة مشهورة يقول فيها: إن الإنسان ليس كائنا مجردا.. إنما هو إنسان + ظروفه وهذا صحيح. وفي المحاكمات بجميع أنواعها تقريبا فإن القاضي لا يصدر حكمه على المتهم إلا بعد تكييف التهمة.. وبيان ظروف ونوع الجناية.. وما الأسباب والدوافع التي أدت إليها.. وفي كثير من القضايا يخرج القاتل بحكم بالبراءة لأن الظروف النفسية أو الاجتماعية قد أدت به إلى ما فعل. ولعل هذا ما دفع مسؤولا سعوديا.. كما نشرت «الشرق الأوسط».. إلى القول بضرورة التروي قبل استصدار الأحكام الشرعية، وذلك بالنظر في الظروف الاجتماعية للمتهمين من المرضى النفسيين ودراسة أوضاعهم النفسية والاقتصادية للوصول إلى الدوافع الحقيقية بالأخص في ظل التغيير المتسارع للمجتمع وما يتعرض له من تحديات مالية أو اجتماعية ودينية.. يجب أن توضع في الاعتبار عند نظر أي قضية. وفي هذا المجال المهم وما يتعلق بكيفية تعامل القضاء السعودي مع المرضى النفسيين المتهمين أكد الشيخ محمد عبد الكريم القاضي في محكمة «المويه» وهو القاضي الذي اشتهر بالأحكام البديلة، ضرورة التأكد من الأهلية الشرعية لأطراف الدعوى التي بواسطتها يتعرف القاضي على مسؤولية المتهم فيما جنت يداه.. وقد طالب القاضي المستنير «عبد الكريم» بإيجاد لجنة مختصة تابعة للمستشفيات الحكومية بالقرب من المحاكم الشرعية بهدف عرض الأشخاص المتهمين ومدى أهليتهم مع متابعة القضية من قبل الطبيب النفسي وتأمين حضور الطبيب المختص لقاعة المحكمة والمثول أمام القاضي لمناقشة كافة الجوانب الصحية للمتهم بهدف الوصول إلى صورة واضحة لشخصيته ولظروفه تساعد في تحديد مسؤوليته الجنائية.وفي السياق ذاته تقول الدكتورة «موضي الزهراني» مسؤولة الحماية الاجتماعية إن الأمراض النفسية والاضطرابات السلوكية تلعب دورا مهما في انتشار الجريمة وفي تنامي العنف الأسري.. وأكدت «الزهراني» خطورة تجاهل الأمراض النفسية العصابية التي غالبا ما يتم تجاهلها فترة من الزمن نتيجة الافتقار إلى الوعي الصحي النفسي، مما يؤدي إلى تفاقمها وفداحة ما يحدث منها.
إننا نخطو بالعدالة خطوة حضارية رائعة بالاهتمام بهذا الجانب المهم من شخصية المتهم الذي قد يكون ما اقترفه خارجا عن إرادته أو بسبب اضطراباته النفسية مما قد ينقذه من عقوبة قاسية.
وكل ما نرجوه أن تكون هذه الخطوة العظيمة مؤكدة وحاسمة في جميع المحاكم وأمام جميع القضاة في أنحاء المملكة.