مشاكل التمويل في دول الخليج.. ليست متشابهة

ذكرت في مقالات سابقة أن دول الخليج وإن كانت ذات اقتصاديات متشابهة إلى حد ما، إلا أن هناك اختلافات واضحة في تلك الاقتصاديات لا يمكن تجاهلها. وهي اختلافات كان يمكن أن تكون في صالح دول الخليج لو تم العمل على تكاملها، بما يثري ''اقتصاد دول الخليج'' ككل. ولكن قصر نظر بعض المسؤولين في بعض تلك الدول والأنانية المفرطة أحيانا، والمصالح الذاتية، كانت عوامل تعمل ضد هذا التكامل الخليجي رغم ما يقال ويكتب عن التعاون الخليجي! والتمويل ليس ببعيد عن هذا التمايز بين دول الخليج!
أقول هذا الكلام ونحن على مقربة من اجتماع قمة الخليج في الكويت في 16 كانون الأول (ديسمبر) والتي تعتبر من القمم التي ستحدد ملامح السنوات المقبلة، حيث سيناقش موضوع العملة الخليجية الموحدة المقررة في 2010 وربما يتم تأجيلها، رغم أني ضد هذا التأجيل مهما كلف الأمر! ففي ذلك فشل كبير مهما كانت المبررات!!! موضوع العملة رغم أن تأثيره الاقتصادي في المدى القصير قد يكون محدوداً، إلا أن تأثيراته الأخرى مهمة ويجب ألا تفوت على صانع القرار السياسي. وأول تلك المبررات، أن الذئاب تتربص بالخليج تريد منه أن يخفق في تحقيق الوحدة الاقتصادية. ولكن الأهم أن التحديات الاقتصادية العالمية تتطلب، بل لا يمكن مواجهتها دون أن تكون ضمن تكتل ما، صغر أم كبر. المقدمة السابقة كانت ضرورية للحديث عن موضوع طالما شكل ميزة ولكنه مع الأزمة المالية أصبح عبئاً. وهو أن التقارير الدولية تتحدث عن الخليج اقتصاديا وكأنه دولة واحدة، وفي كثير من النواحي يعكس حقيقة واحدة وبالذات الحديث الأخير عن مشاكل التمويل التي تعانيها دول الخليج بعد الأزمة وبعد أزمة المجموعتين السعوديتين. ففي تقرير لصحيفة ''الفاينانشيال تايمز'' نشرته ''الاقتصادية'' مترجماً هذا الأسبوع (الأحد 22 نوفمبر 2009) تحت عنوان '' الخليج يكتشف الحاجة إلى تنويع القاعدة التمويلية''. بداية العنوان تعكس نتيجة صحيحة حيث بدأت دول الخليج في محاولات لتنويع طرق التمويل وخلق أسواق أولية وثانوية للتمويل. لكن أسباب الوصول لتلك النتيجة تختلف من دولة لأخرى. وبالتالي أظهرت الأزمة المالية العالمية أن اقتصاديات دول الخليج، أو بشكل أدق، إدارة اقتصاديات الخليج ليست متشابهة. ويمكن قياس أداء تلك الإدارات بحساب الأرباح والخسائر بعد انقشاع غمة الأزمة المالية عنا!
فهناك دول خليجية تعاني على مستويات مختلفة إلى درجة أن الطاقم الإداري بات يتغير ويتشكل كل فترة في محاولة للخروج من المأزق الذي تعيش فيه! فعندما يكون هناك ما بين 40 في المائة و60 في المائة نسب تعثر في القطاع المصرفي والتمويلي في تلك الدولة، وتتم عمليات اندماجات بين اللاعبين الرئيسيين في قطاع المصارف والتمويل، ففي ذلك دلالة على وجود مشاكل حقيقية، نأمل أن يتم الخروج منها بأسرع وقت ممكن. وعندما تعاني شركات الاستثمار في بلد خليجي آخر والتي تشكل معظم اقتصاد تلك الدولة من انهيار شبة كامل نتيجة تعرضها لاستثمارات في أوراق مالية مهيكلة، فكل الذي نتمناه ونرجوه ألا يكون هذا دليلا آخر على وجود أزمة حقيقة لدى تلك الدولة! وتلاحظون أننا نتحدث عن مشكلة في القطاع المالي، مما يعني أن هناك مخاطر على النظام ككل Systemic Risk! وعندما تكون هناك سيطرة كاملة على بعض المصارف من قبل البنك المركزي في بعض الدول ،(تأميم)، فهذا دليل على وجود أزمة مالية حقيقيية. زد على ذلك مخاطر على النظام! وعندما لا يكون ذلك كله في دولة أخرى فهذا يدل على أسلوب إدارة معين جيد ومحمود! وعندما تكون المشاكل تخص قطاعا إنتاجيا معينا وليس ماليا، فهذه دلالة على مشكلة مختلفة تماماً!
وبالتالي عندما يتم التحدث دولياً عن الخليج، علينا ألا نخلط هذا بذاك! فكل اقتصاد خليجي يتميز بصفات ومميزات أو سلبيات تخص هذا الاقتصاد ولا تمثل باقي الدول. وفوق هذا كله أسلوب إداري معين. في إحدى المقابلات الصحافية مع إحدى الصحف العالمية نجد أن شخصاً ما يشرح المشكلة التي يعانيها بلده، أو المشاكل التي تعانيها مدينته. وكأنها مشكلة كل الخليج ودوله - وبالذات قضية التمويل- وهذا أمر غير صحيح. فلا يوجد في المملكة على سبيل المثال آلاف تخلفوا عن سداد ديونهم الاستهلاكية مثل ديون السيارات وغيرها. ولا يوجد انكشاف قوي وتركز كبير في التمويل في قطاع محدد مثل العقار! لا يوجد تمويل على المكشوف في أوراق مالية مهيكلة! وبالتالي نجد أن وضع القطاع المصرفي تحديدا لدينا لا يمكن مقارنته بأي دولة خليجية مع كامل الاحترام والتقدير، حيث لا توجد حاجة ماسة مثلا لزيادة رسملة المصارف لمقابلة الديون المتعثرة أو دمج بعض المصارف! فالديون المتعثرة لا تزال دون 3 في المائة من إجمالي القروض الممنوحة.
وفي كل الأحوال، والأهم من ذلك هو مدى قدرة دول الخليج وبالذات تلك التي تضررت بشكل مباشر وقوي من الأزمة المالية والتي خلقها الأسلوب الإداري قبل أن تكون أزمة المالية العالمية، على الاستفادة من التجربة التي مرت بها خلال العام 2008م، 2009م. وتأثيرات الأزمة المالية العالمية علينا، أيضا يجب ألا تكون تجربة عابرة دون أن يكون لها تأثير في إدارة القطاع المالي الخليجي الخاص بكل دولة. وكذلك على المستوى العام من تنسيق للسياسات المالية والنقدية وكذلك طرق الإشراف والرقابة وتبادل المعلومات. فالتحفظ الزائد عن حده في قضية المعلوماتية بين دول الخليج أمر أعتقد أن الجميع انكوى بناره. والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي