المتسللون .. «العمالة» من خارج التاريخ

ما من شيء أبشع من الحرب، ولا شيء أخطر من الاعتداء على الأمن، الاثنان وجهان للعنة واحدة، وحين تكون الحرب والعدوان على الوطن يصعد الانتماء له والولاء إلى الأوج في إرادة لقهرهما وفي بسالة لسحقهما أيا كانت المزاعم والشعارات التي يسوغ بها هؤلاء المجرمون عدوانهم.
وقد كان الإجهاز المباغت على زمر المتسللين وملاحقة من لاذ منهم بالجبال والكهوف بقوة الردع للجيش السعودي صاعقاً لمكائدهم ومكائد سدنتهم في إيران ولأوهامهم في التأثير في مشاعر فئة أو طائفة وهم يرون الهبة الوطنية الشاملة لغسل تراب جازان من آثار القدم الهمجية.
لقد ذهبت كتابات في توصيف هؤلاء المتسللين وزمرهم على أنهم كجماعة الحشاشين أتباع حسن الصباح (أواخر القرن الخامس الهجري)، أو أنهم أشباه الخوارج (أوائل القرن الأول الهجري) لكني لا أميل إلى استدراج مسميات تاريخية ولدت في ظروف مغايرة وفي سياقات مختلفة فهي موقوفة على من أطلقت عليهم في حينها فقط ولا تنسحب على من جاء بعدهم وإن بدت الملامح الشكلية والملابسات متقاربة.
هؤلاء المتسللون ليسوا سوى إفراز شذوذهم اللاتاريخي باعتبارهم أساسا جماعة تفكر خارج التاريخ مثلها مثل الجماعات المتعصبة والعنصرية المتطرفة عرقيا أو فكريا أو مذهبيا والتي تظل خامدة على هامش الدهر تلوك ترهات تخيلاتها وتصوراتها الأسطورية لعالم لا وجود له ولا تتحرك إلا حين يتم استثمارها من قبل قوة أو دولة أو تجمع سياسي يلعب بها داخل التاريخ لا خارجه.
على أن عملية إدخال ''المتسللين'' من موقعهم خارج التاريخ إلى داخله كانت بحد ذاتها عملية شاذة، لأن القائم بالمهمة، أو عرابها (الإيراني) لم يكن، أصلاً، مع التاريخ وإن بدا أنه داخله، فالأجندة التي رسم بموجبها الدور لهذه الزمرة هي أجندته المتزمتة المنغلقة على مفهوم واحد وحيد للفكر ولشكل ساكن للحضارة، مفهوم يرهن مجرى التاريخ الواسع الثري الزاخر التنوع لمجرى قسري خاص يختزل به التاريخ كله، الأمر الذي يعمق شذوذ تناقض هؤلاء ''المتسللين'' مع أنفسهم بين زيدية إمامية غابرة مشوهة وبين ولاية فقيه متعال على التاريخ، فوق الأمة ونافيا لها!!
إن القادم من خارج التاريخ مهما كان عمله (عسكريا أو فكريا... إلخ) يبقى خارجه.. وتلك هي حقيقة أولئك ''المتسللين'' وحقيقة من هرعوا معتقدين أنهم يدخلونهم التاريخ فيما هم - أصلا - وكما سبقت الإشارة لم يكونوا يسيرون، لا أيديولوجيا ولا ممارسة مع التاريخ إنما ضده وفي اتجاه لا يفضي إلا إلى قذفهم خارجه أيضا!!
وإذا كان الشذوذ المذهبي والاعتصام بالجبال لأقلية يقودها زعيم هو ما أدى إلى تشبيههم بالحشاشين، وإذا كانت مصادمتهم للنظام والدين الرسمي وإجماع الأمة هو ما أدى إلى تسميتهم بالخوارج، فقد تكون مسألة ''العمالة'' ألصق بهم، لأنهم ينفذون أجندة غيرهم، ضد وطنهم وأمتهم، غرر بهم وأقنعوا بأنها تحقق هلوساتهم اللاتاريخية. أقول: عملاء إنما جيء بهم من خارج التاريخ ولسوف يبقون خارجه.. فقد ضعف الطالب والمطلوب!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي