رحم الله شهداءنا فمنهم عرفنا معنى حب الوطن
ليس هناك رهبة يقف الإنسان أمامها أكبر من رهبة الموت, وليس هناك عمل يقدمه الإنسان لوطنه أقدس وأطهر من حياته, وليس هناك تحد حقيقي لإبراز الإيمان بالله - سبحانه وتعالى - إلا أن تقدم نفسك ومالك لوطنك, لأنك تعلم أنك تقاتل وتحارب فئة ضالة تريد الخراب لبلد يعمل وفقا لشرعية الله -سبحانه وتعالى - التي حملها ورعاها ودعا إليها محمد - صلى الله عليه وسلم.
هذه المشاعر وغيرها تزاحمت في خاطري وأنا أتابع الإنجازات العظيمة التي قدمها رجال الأمن داخل حدود المملكة ويقدمها رجال القوات المسلحة من مختلف القطاعات على حدود المملكة لمنع العابثين من التأثير في التنمية العظيمة التي تعيشها المملكة سواء بمشاريعها الإنسانية المكانية العظيمة أو من خلال دورها السياسي والقيادي المؤثر في مختلف الأحداث الإقليمية والعالمية في نشر للحوار ودعوة للسلام واحترام حقوق الإنسان, والعمل على لم الشمل العربي والإسلامي والعالمي ولعل آخرها الجهود المباركة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وحكومته في لم شمل الشعب اللبناني وتحقيق الوصول إلى حكومة وحدة قد لا تعجب أصحاب المصالح الخاصة ومن يرغب أن يعيش حياة الميليشيات والتفكك داخل المجتمع العربي.
لقد تأملت جهود إخواننا البواسل على جبهات القتال واستعدادهم للموت من أجل الوطن, تاركين الأهل والأولاد والحياة الرغدة من أجل ضمان وسلامة حياة كريمة لأهلهم وأهل المملكة بشكل خاص, إضافة إلى قناعتهم الكبيرة بأن ما يقومون به هو دفاع عن أقدس بقاع الأرض التي أكرمنا الله ـ سبحانه وتعالى ـ بهما وسخر لنا معهما خيري الدنيا والآخرة. إن تضحية هؤلاء البواسل بالمال والحياة من أجل حماية وعزة وطننا جعلتني أطرح سؤالا بسيطا ومباشرا حول ما نقدمه نحن للوطن وما يقدمه هؤلاء البواسل, وهل تقديم بعض دقائق من العمل الجاد يوميا يوازي تقديم النفس؟ لأن من يذهب من هؤلاء الرجال إلى ساحات القتال يعلم أنه ذاهب لمواجهة الموت غير عابئ بما ترك خلفه من والدين وزوجة وأبناء في عمر الزهور, لأنه يعلم أولا أنه يقدم روحه في سبيل الله ثم إن خلفه قيادة سترعاهم وتقدم لهم كل غال ونفيس تقديرا لدور والدهم العظيم.
إن تقديم النفس والمال والولد فداء للوطن هو أعظم عمل يقدمه الإنسان وخير إرث يتركه لأبنائه وأبناء أبنائه بعد موته, وأنا شخصيا ما زلت أعيش مع بعض أبناء وأحفاد من استشهدوا في تطهير المسجد الحرام بعد الاحتلال الغاشم له قبل 30 عاما وأجد في نفسي حبا عظيما لهؤلاء الأبناء والأحفاد للأثر العظيم الذي تركه آباؤهم في نفسي من تقدير واعتزاز لما قاموا به من أجل وطننا الحبيب.
إن المتأمل لعمل وجهد وتضحية هؤلاء الجنود البواسل من أجل وطننا ليحتقر عمله وجهده وعطاءه مقابل ذلك من جهة ثم ليضع مزيدا من المسؤولية علينا جميعا للعمل من أجل تحقيق الهدف الذي من أجله ضحوا بأنفسهم وهو جعل المملكة العربية السعودية عزيزة ومنصورة ـ بإذن الله وتوفيقه ـ في كل المحافل المحلية والإقليمية والدولية, وأن نعمل جميعا بكل طاقتنا من أجل ذلك وحتى لا تذهب أرواح هؤلاء الشهداء سدى مع أنهم ـ بإذن الله سبحانه وتعالى ـ مع النبيين والصديقين والشهداء لأنهم قاتلوا وقتلوا دفاعا عن ''لا إله إلا الله محمد رسول الله'', وتعزيزا لأن تكون كلمة الله هي العليا ثم حماية لأرواح الرجال والنساء والأطفال السعوديين المسلمين والمقيمين على أرضها من المسلمين وغير المسلمين ممن اطمأن لأمتنا وأمننا وعهدنا بالمحافظة على روحه وعرضه من أي اعتداء.
إن تضحية إخواننا البواسل من رجال الأمن والقوات المسلحة هي دعوة لنا جميعا للعمل بروح الفريق الواحد, وأن يحاسب كل واحد منا نفسه على ما قدمه لوطنه لجعله في مصاف الدول المتقدمة حتى تكون السعودية الدولة الرائدة والقدوة الحسنة التي ينظر إليها مختلف شعوب العالم وحكوماته على أنه المثال الأفضل لما يجب أن تكون عليه الدول والحكومات والشعوب في مختلف المجالات الدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعمل الجاد المخلص.
نحن في السعودية اليوم حكومة وشعبا نملك كل المقومات التي تحقق لنا قيادة العالم ليس بقوة السلاح ولكن بالعمل الجاد والقدوة الصالحة, وكل ما يتطلبه ذلك هو قيام كل واحد منا مهما كبر مقامه أو عمله أو عمره أو صغر بما يجب أن يعمله وفقا لتوجيه المصطفى ـ عليه الصلاة والسلام ـ ''إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه'', ثم نجعل إخواننا على جبهات القتال يروا أثر جهودهم وعلمهم وتضحيتهم انعكس بشكل إيجابي علينا جميعا, ويعلموا أننا تعلمنا ونتعلم منهم جميعا المعنى الحقيقي والصادق و الجاد لحب الوطن.
بارك الله في الجهود التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء, عربي اللسان, إسلامي المعتقد وعالمي الطموح.