الحذر يجب أن يكون «سمة» المقترضين.. وليس المقرضين فقط!
منذ سنوات بداية عملي في شؤون القروض والاقتراض، لم أشاهد النقاش الحاد الذي أستطيع أن أصمه بنقاش ''الطرشان'' جمع أطرش تجاوزا لتعليمات سيبويه في طريقة الجمع، وهي تعني عدم وجود أرضية مشتركة بين المتحاورين. بطبيعة الحال كان يمكن أن يكون الوضع العام للتمويل في المملكة أفضل مما هو عليه اليوم. ولكن هذا لن يتحقق إلا من خلال منظومة متكاملة من الحلول! أعتقد أن المملكة قطعت شوطاً كبيرا ولم يبق إلا القليل للوصول إلى أفضل منظومة تمويلية ممكنة. وحتى بعد الأزمة المالية أعتقد أن المملكة أثبتت أن المنظومة الحالية جيدة، بل جيدة جداً، حمت من خلاله بعد الله - سبحانه وتعالى - الاقتصاد من تبعات كان يمكن أن تكون كارثية مع وقوع الأزمة المالية العالمية! ويمكن بإجراء مسح عام على دول العالم القريب والبعيد، نجد أن الدول المتضررة هي التي كانت لديها سهولة وعدم انضباطية في عمليات التمويل الفردي والتجاري!
ما المشكلة اليوم في حوار الطرشان: تذمر كامل من قبل قطاع الأعمال بعدم حصوله على التمويل الذي يرغبونه من المقرضين، مع اختلاف واضح في مستويات هذا التذمر بين قطاع وآخر. وإن كان في مستوى المقاولات والتصنيع أكثر اليوم في المملكة! وكذلك تذمر واضح من قبل الأفراد الذي أيضا يرغبون في الحصول على تمويل من قبل الجهات التمويلية سواء كانت صناديق التمويل الحكومية أو المصارف وشركات التمويل. إعلام يردد باستمرار أن على تلك الجهات تقديم التمويل وتوفير التمويل وإعطاء التمويل... إلخ! وقد ذكر أحد الإخوة من رجال الأعمال في مقابلة إعلامية شاهدتها، أنهم رجال أعمال وطنيون، وعليه يجب أن يحصلوا على تمويل! وهي المرة الأولى التي أسمع فيها أن أحد حقوق المواطن، أن يحصل على تمويل لحماية منشآتهم من الإفلاس! يجب ألا يكون التمويل أحد الحلول للحماية من الإفلاس. هذا خلل في التفكير والتحليل!
في المقابل هناك جهات التمويل نفسها لديها رغبة في التوسع في التمويل وهي دون هذا التوسع لن تحقق أرباحا! ولا أعتقد أن هناك جهة تمويل وبالذات تلك التابعة للقطاع الخاص لا ترغب في التوسع في التمويل، إلى الدرجة التي وصلنا فيها ولله الحمد إلى دكاكين ''التايد'' للتمويل! والدليل وجود إعلانات مستمرة ومصاريف دعاية لمنتجاتها، وإدارات تسويق لهذا الغرض تصرف ملايين لاستقطاب مقترضين! النتيجة هي أن هناك رغبة في التمويل من قبل جهات التمويل والتمويل هو المنتج الرئيس لها، ودونه لن تحقق أرباحا. إذن أين المشكلة؟ هناك طلب! وهناك عرض! لماذا إذن لا يتم الزواج؟
علينا أن ندرك أهمية وحساسية التمويل في أي بيئة اقتصادية. وعلى سبيل المثال، كلفت الأزمة المالية الحالية أمريكا بشكل ''مباشر'' ولا أتحدث عن التكاليف غير المباشرة للأزمة مثل الركود الاقتصادي في الاقتصاد الحقيقي وارتفاع نسب البطالة وما إلى ذلك. أتحدث فقط عن ما دفعه حتى اليوم الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لعمليات الإنقاذ للنظام المالي الأمريكي، والذي بلغت خمسة تريليونات دولار أمريكي! بسبب الأزمة المالية التي سببها التمويل والخلال الذي كان موجودا! ولو كانت الأزمة في بلد غير أمريكا لكان الإفلاس هو النتيجة النهائية لهذا البلد، مثلما هي الحال لآيسلندا وإيرلندا، ودول إقليمية تحاول أن تغطي الشمس بغربال! وبالتالي يجب عدم النظر إلى قضية التمويل كقضية ثانوية، أنها قضية محورية في اقتصاديات اليوم وغداً. وبالتالي هناك مواصفات لمعادلة التمويل يجب أن تتوافر حتى يمكن أن يكون التمويل إيجابي في البيئة الاقتصادية، ولا يكون نقمة كما حدث في أمريكا دول أخرى كانت تتغني بسهولة الحصول على التمويل لديها! لبلغت نسب التعثر 60 في المائة، وبالتالي أصحبت هناك مخاطر على النظام المالي برمته مما أستجوب تدخل الدولة وبتكلفة علية انعكست سلباً على جيوب المواطن نفسه ورجل الأعمال. والتي لم تنته فصولها ولكنها بدأت مع نهايات مفتوحة حتى الآن!
معادلة التمويل تقوم على أن هناك مُقرضا ومقَترضا وقرضا مهما كانت طبيعة هذا التمويل، سواء كان مباشرا أو غير مباشر. وبالتالي هناك مواصفات في العناصر الأساسية الثلاثة، يجب أن تتوافر في كل عنصر حتى تعمل المعادلة وتتساوى بشكل علمي ورياضي.
كما أن هناك عناصر غير مباشرة تعمل على حماية متساوية للمعادلة والتي تتلخص بالنظام العام الذي يحكم تلك العلاقات، ويحمي الحقوق بشكل متوان دائما، حتى لا تكون هناك حماية لعنصر على حساب العناصر الأخرى. لذا نجد أن في كل بلد لديه قطاع مصرفي، تكون هناك جهة رقابية وإشرافية تقوم على متابعة أعماله بشكل دقيق لحماية النظام المالي أولاً. وثانيا، لحماية أموال العامة من أن تذهب في اتجاه واحد. ولنأخذ حالة من حالات رجال الأعمال الذين يطالبون بالتمويل دون أن تتوافر فيهم المواصفات اللازمة لمنحة التمويل. ولو افترضنا أنه حصل على تمويل دون وجود ملاءة مالية تؤهله للحصول على التمويل الذي يحتاج إليه، فإن هذا المقترض قد يسبب إفلاسا كاملا للمصرف إذا كانت تلك الحالة عامة كما حصل اليوم في قضية التمويل في بعض الدول! والتي كلفت الحكومة مليارات الدولارات! إذن هناك مخاطر على النظام المالي يجب أن يتم وضعها في الحسبان. وألا تكون النظرة أنانية أو حماية مصالح طرف على حساب طرف آخر. أو على حساب المصلحة العامة وحماية الاقتصاد مهما كان المتضرر من تلك الحماية العامة. فالأمن الاقتصادي جزء من منظومة الأمن العام.
حماية الحقوق، مسؤولية النظام العام في أي بلد. وبالتالي جهات التمويل يجب أن تكون واثقة بأن أموالها محمية، وكذلك المقترضون يجب أن يكونوا واثقين بألا يتم استغلالهم من قبل جهات التمويل. وفوق كل ذلك المقترض عليه أن يدرك أن علاج مشكلاته المالية ليس بالضرورية أن يكون من خلال التمويل. بل على العكس أحيانا يكون التمويل القشة التي تكسر ظهر البعير كما يقال. وبالتالي دائما وأبدأ قبل طلب التمويل سواء كان التمويل فرديا أو تجاريا، يجب أن يكون للتمويل هدف مدروس، من خلال إدارة مالية واعية من قبل المقترض قبل المقرض. ويجب أن يكون الحذر ''سمة'' طلب التمويل. وعلى كل حال أيضا المقرض لديه آليات للتأكد من أنه يقوم بإعطاء التمويل المناسب للجهة المناسبة، وبالقدرات المالية الملائمة. وعليه آمل أن يكون الحوار قائما على أسس علمية ومنهجية للوصول إلى أفضل طريقة لتطوير عمليات التمويل في المملكة بما يخدم أهداف التنمية ولا يعوقها أو يدخلها في دهاليز المشكلات التي تعيشها دول كثيرة إقليمية ومتقدمة، اعتقدت يوماً ما أنها هي الأفضل من خلال التسهيل والذي يجب ألا يعني عدم التدقيق ووضع الأمور في إطارها العام قبل الخاص. والله من وراء القصد.