حاجب المدير (1من2)
سكرتير المكتب أو ما يطلق عليه مصطلح الحاجب, شخصية تحمل عديدا من المسؤوليات المهمة التي تؤثر في شخصية وعمل وعلاقات المدير مهما كان مستواه, شخصية الحاجب تتغير بتغير الموقع بحيث تراه أمام المدير شخصا وديعا هادئا مؤدبا لا تسمع منه إلا كلمة واحدة مكررة هي: سَم, وأبشر, وحاضر, يتحرك أمام المدير بكل خضوع واستسلام ولكن عندما يخرج ويغلق الباب على المدير يتحول إلى وحش كاسر, لا يستطيع أي شخص يعمل أو يتواصل معه أن يخالفه الرأي أو أن يقف في وجه طلباته واحتياجاته مهما كبرت أو صغرت حتى إنه يقطع الماء والكهرباء وربما الحياة عن الشخص الذي يخالفه أو يعارضه ويجعل من فرصته للاتصال أو التواصل مع المدير من سابع المستحيلات, والحاجب لا يخفي عن الجميع هذه الشراسة, يجعل من التهديد والوعيد سلاحه الفتاك لكل من يخالفه أو يحاول أن يتجاوزه.
الحاجب عندما يتمكن يصبح اختراقه أو مخالفته عملية انتحارية, والتمكن هنا يعني أنه يبني جدارا صلبا من الأشخاص ذوي العلاقة المباشرة به حول المدير بحيث لا يستطيع المدير التحرك إلا وهو تحت أمره وتصرفه بحيث يتحول الحاجب إلى المدير الخفي لأنه يصبح هو من يصدر الأوامر والتعليمات والتوجيهات والمذيلة بكلمة ''بأمره'' وبأمره هنا تعني بأمر المدير. والحديث عن الحاجب حديث يطول ويتشعب, خصوصا عندما يكون الحاجب من الشخصيات الضعيفة في قدراتها والمهزوزة في ذاتها والمعتمدة على علاقاتها للوصول إلى مصالحها, ولهذا فإن الاستشهاد ببعض الأحداث التي تدور حول المدير ودور حاجبه فيها توضح لكل مدير مدى الخلل الذي يمكن أن يحدثه حاجبه وانعكاس ذلك على علاقاته مع الآخرين مهما كانت قوية, لأن الحاجب ومع الوقت يصبح الأقدر على معرفة نفسية المدير وما يعجبه وما لا يعجبه, يعرف متى يعرض عليه الأمر وكيف يستغل هذا العرض وسيلة للإساءة للآخرين أو الإحسان إليهم بحيث يبرز الموضوع المطلوب عرضه بطريقة تستفز المدير مهما كان حلمه وعلمه وقوته ويعرف الحاجب حتى يعكس الأمر ويجعل منه أمرا محمودا حتى إن لم يكن كذلك, والشواهد هنا كثيرة. يقول أحد المسؤولين إنه ذهب لمقابلة مسؤول آخر وهو صديق له وأخذ موعدا من الحاجب وعندما حضر وهو ليس على معرفة بالحاجب والحاجب لا يعرف مدى علاقته بالمسؤول, أجلسه أو أخره الحاجب أكثر من ساعة كاملة كان خلالها الحاجب يحاول أن يعرف ماذا يريد هذا المسؤول من مديره وعندما لم يستطع اختراقه كما كان يأمل, أخذ يوضح له مدى أهميته وأن المدير لا يحل ولا يربط إلا بأمره, وأن أي أمر يعرض على المدير لا بد أن يطلع عليه مهما كان شخصيا أو سريا وعندما لم ينفع هذا الترغيب من الحاجب للمسؤول تحول نحو التهديد والمماطلة بأن المدير ربما لن يستطيع أن يراه لالتزامه بعمل مهم, واستمرت المماطلة والتهديد إلى نهاية اللقاء.
الحاجب ضعيف الشخصية أو غير الواثق من نفسه وقدراته يكون أكثر سوءا من الحاجب الفاسد لأن عدم الثقة بالذات يدفعه إلى القيام بتصرفات تسيء إلى الجهاز وطموحات المدير وتقتل كل إبداع, لأن الحاجب ينظر إلى أي تغيير أو تطوير أو استقطاب الكفاءات الهدف منها التخلص منه, يعتقد دائما أن أي إنسان متميز هو تهديد له ولمن حوله من الأعوان ولهذا يجب التخلص منه حتى لو تطلب الأمر الكذب والدسيسة والاتهام الباطل له أمام المدير. الحاجب عندما يسيطر ويمتلك زمام الأمور يصبح عبئا إداريا قاتلا على كامل المؤسسة التي يعمل فيها, ويذكر أن حاجب مدير إدارة وصل به الأمر إلى السيطرة المطلقة على كل حركات المدير واتصالاته وما يصل إلى مكتبه بحيث إن جميع المكالمات يجب أن تمر من خلاله وهو يحدد ما يرد عليه المدير وما لا يرد عليه وهو يحدد من يقابل المدير ومن لا يقابله حتى إن أحدهم وصل به الأمر إلى القيام بتفتيش مكتب المدير كل يوم بحيث إذا ذهب المدير لأي اجتماع داخلي أو خارجي يذهب الحاجب ويفتش كل ورقة في المكتب ليعرف ما عرض على المدير دون علمه ثم تكون الطامة الكبرى على الموظف أو المسؤول أو المراجع الذي قدم معلومات أو تقارير أو خطابات دون أن تمر على حاجب المدير.. وللمقال بقية.
وقفة تأمل
'' يحكى أن رجلا يجمع بيض الحيوانات والطيور فأخذ بيضة نسر ووضعها وسط بيض الدجاج وحين خرجت الطيور من بيضها خرج النسر الصغير وسط الدجاج فظل يعيش حياته باعتباره دجاجة مثلها حتى رأى مرة نسرا رائعا يطير في السماء, وعرف أنه نسر وليس دجاجة فاستيقظ في أحد الأيام مبكرا قبل الدجاج, وحاول الطيران مثل النسر وشاهدته الدجاجة فسخرت منه وقالت له: أنت دجاجة لن تطير فلم يستمع إليها وحاول عدة مرات حتى طار في السماء وأصبح يحلق بحرية، ولهذا لا تلتفت إلى المثبطين أبدا .. أبدا!
وكن ممن يجد لكل مشكلة حلا , ولا تكن ممن يجد في كل حل مشكلة .