العمل الخيري السعودي .. نظرة تأمل!

بعد مرور 79 عاماً على توحيد المملكة العربية السعودية على يد المؤسس الملك عبد العزيز - غفر الله له - ، يحق لنا كسعوديين أن نفتخر بالقفزة الهائلة والتطور الكبير الذي أنعم الله به على بلادنا في كثير من مجالات الحياة، والعمل الخيري كإحدى ركائز المجتمع السعودي، شهد هو كذلك حظه من النمو والتطور. لكن نظرة متأنية لحجم العمل الخيري المنظم وطبيعة الخدمات التي يقدمها تجعلنا نتساءل: هل استطاع العمل الخيري في السعودية بعد تلك السنين أن يترجم اهتمام القيادة وإحسان الشعب؟
وبعيداً عن لغة العاطفة واقتراباً من الموضوعية فإننا يجب أن نتجرد في الإجابة عن هذا السؤال. فباستخدام لغة الأرقام فإن عدد المنظمات الخيرية السعودية بما فيها الجمعيات الخيرية والمؤسسات المانحة والمكاتب التعاونية للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات وفروع جمعيات تحفيظ القرآن الكريم والصناديق العائلية لا يتجاوز ألف منظمة خيرية.
الحقيقة أن هذا الرقم متواضع جداً إذا ما قارناه بحب السعوديين لأعمال الخير واهتمام القيادة به ودعمه مادياً ومعنوياً ، ويزداد الرقم تواضعاً إذا قارناه أيضاً بحجم العمل الخيري في البلدان المتقدمة مع اعتبار فارق التاريخ والطبيعة، فإن هناك جمعيتين إلى ثلاث جمعيات خيرية مقابل كل ألف شخص في كل من أمريكا و بريطانيا و كندا وأستراليا ، بينما في المملكة العربية السعودية لا يوجد سوى أقل من ( 0.04) لكل ألف سعودي!
هذا من ناحية العدد، أما من ناحية طبيعة الخدمات التي تقدمها مكونات العمل الخيري السعودي فالسمتان البارزتان له هما عدم التخصص والتكرار، فكثير من جمعياتنا الخيرية يضم بين أنشطته برامج متنوعة تصل في بعضها حد عدم التجانس، وهي مع عدم التخصص في كثير منها تكرار لأعمال مثيلاتها في مناطق جغرافية أخرى. ولعل المتأمل يدرك أن قلة عدد الجمعيات ولا سيما في بعض المناطق وتنوع حاجات المستهدفين أجبرا كثيراً منها على ضم كثير من البرامج في حزمة الأنشطة التي تقدمها. أما في الدول التي تمتلك قطاعاً خيرياً حيوياً فقد بلغ التخصص ذروته ليصل إلى وجود جمعيات خيرية متخصصة في مرض معين لفئة عمرية معينة أو لظاهرة بيئية واحدة أو حتى لحيوان ونبات محدد.
إن السواد الأعظم من العاملين في قيادات منظماتنا الخيرية هم من المتطوعين أو العاملين بشكل جزئي وهذا في أحد جوانبه مؤشر صحي إذا ما راعينا تقليل التكاليف التشغيلية واستثمار الطاقات التطوعية، إلا أنه من جوانب أخرى لا تقل أهمية، يشير إلى وقت أقل سوف يخصصه هؤلاء القياديون لمنظماتهم الخيرية مما سيؤدي إلى أداء أضعف وناتج أقل ، وهو ما لا يتفق مع كثير من التجارب العالمية الناضجة في العمل الخيري حيث تستوعب منظمات القطاع الخيري هناك آلافاً من الموظفين وهو الأمر الذي رفع مستوى الأداء والإبداع.
يحق لقارئ كريم أن يعترض بأن المجتمع السعودي يمتلك عملاً خيرياً آخر في الظل وهو ما يمارسه الأفراد والأسر بالطريقة التي يفضلونها بعيداً عن الشكل المتعارف عليه بالجمعية أو المنظمة الخيرية، نعم هذا الاعتراض محل تقدير، لكننا نعيش تطوراً متسارعاً في نظم الحياة يجعل من الأسهل على المحسنين ومحبي الخير أن يمارسوا الخير من خلال عمل منظم ومؤسسي، ثم إنه لا معارضة إطلاقاً بين أن تكون لدينا ممارسات خيرية عائلية وأخرى مؤسسية.
إن المتفائل يشعر بالراحة وهو يقرأ بين الفينة والأخرى خبر تأسيس جمعية خيرية هنا أو هناك، لكن السؤال ما زال قائماً هل سيعكس العمل الخيري في القريب العاجل اهتمام القيادة وإحسان الشعب ؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي