قندهار اليمن !
عندما قامت الثورة الإيرانية،اعتقد الخميني حينها أنه الإمام جامع الشرائط،الذي سيقبض على العالم الإسلامي بكلتا يديه،وكانت النرجسية الثورية التي حظي بها في إيران وساعدته فيها قوى خارجية سببا في رؤيته القاصرة المبنية على أن حدوث الثورة في إيران ونجاحها يعني إمكانية تصدير النموذج للعالم الخارجي،حيث دعا حينها إلى تصدير الثورة إلى كل العالم الإسلامي.
تصدير الثورة بالفهم الخميني لم يكن حقيقة بل كانت ذريعة سياسية تخدم مصالح إيران القومية،ونفوذها الخارجي وعندما سئل ذات مرة عن فضاء إيران الخارجي قال إنه الشرق الأوسط كونه منطقة حيوية للعالم وفيه أعقد القضايا العالمية،فليس من الممكن أن تكون وجهته دول الجمهوريات الروسية التي تحتضن داخلها ذكريات مؤلمة عن إيران رغم تقاربها المذهبي،ولهذا بدأت عمليات صدام المشاريع والمصالح في المنطقة،وذهب الإيراني الأصل فؤاد عجمي إلى حد دعوة الإدارة الأمريكية الرهان على إيران الشيعية في كتابه «الرهان الشيعي» كجزء من رؤية تعبر عن صميم المصالح القومية الإيرانية.
وعندما أسست وزارة الخارجية الإيرانية بعد ثورة الخميني روعي فيها أن تكون من عدة وزارات تعمل تحت مظلة واحدة عنوانها الرئيس الدبلوماسية وبقية العناوين الفاعلة والرئيسة الأخرى تتبع عمليا للحرس الثوري لكن بأسماء اجتماعية وإنسانية كمؤسسة الشهيد وغيرها لكنها في المحصلة تخدم الهدف السياسي. وإحدى هذه المؤسسات تعنى بشؤون التشيع الخارجي والجيوب الصغيرة ومنحت هذه المؤسسات أموالا كافية تصل موزانات بعض الدول لخدمة المشروع الإيراني البعيد. والمؤسسة الأخرى عنيت بشؤون الثقافة والصحافة والإعلام ودور النشر وتسللت هذه المؤسسة لعدد كبير من المثقفين والصحافيين والإعلاميين لجعلهم في خدمة المشروع وصدرت كتب كثيرة تروج لإيران وتروج لأهدافها وبما يخالف المشروع الثقافي العربي،ومنحت الدعم لإنشاء صحف ومجلات ومراكز دراسات متخصصة وفضائيات ناطقة بالعربية.
أما الدائرة الأخطر فهي المتخصصة في الإرهاب والمعارضة السياسية حيث منحت هذه الدائرة حق استخدام الإمكانات المتاحة كافة للانفتاح على تنظيم القاعدة،وتنظيمات خارجة عن القانون في أوروبا وأمريكا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا وقادت هذه الدائرة عمليات تهريب الحشيش والسلاح والألماس وعمليات التفجير والاغتيالات المختلفة كما جرى في الأرجنتين، وأيضا من مهامها التجسس الخارجي وتلتقي وحزب الله في هدف خارجي واحد،لدرجة تخوفت دول أوروبية كثيرة من مخاطر هذه الدائرة وبعضها هادن إيران وانفتح على حزب الله لهذه الغاية.
كل مؤسسات وزارة الخارجية الإيرانية تلك مارست أعمالها في اليمن مستشفيات إيرانية،واتصالات إيرانية،وحوثيون طلاب مدعوون لقم ودعم مادي ومعنوي وضغوط كبيرة مورست لأجل تمكين الحوثيين وجعلهم قوة مؤثرة في خاصرة الأمن اليمني والسعودي على الخصوص ،حيث عملت على تمكينهم من اختزال الزيدية وحرفها فكريا لتصبح إمامية جعفرية. وبدأت قم تنفث سمومها السياسية في اليمن ،بينما تكفل حزب الله بتصدير الخبرات القتالية والتقنية بعد أن صدرت طهران فكرة الثورة،حيث تجد شعارات الخميني كتبت على جدران المنازل الخربة،الموت لأمريكا والنصر للثورة الإسلامية،وأي موت ونصر هذا الذي يموت من أجله أهالي صعدة ولصالح من هذه التعبئة والتبعية؟!.
في قندهار اليمن «الشيعية» ملاذ آمن للقاعدة التي من المفترض أنهما على تضاد وتقاطع لكن طالما أن الأهداف واحدة والممول واحد فلا مانع من الاتفاق وبهذا يتم استخدامهم لخدمة الهدف السياسي الإيراني البعيد.
هذه الحرب هي السادسة،وهناك العديد من المبادرات اليمنية لحل الأزمة دون إراقة دماء،والمشكل والمؤلم أن تصبح قضية الحوثيين قضية إقليمية تتوسط فيها الدول وبعضها يشترط تحسين الشروط والحوافز لدرجة الإملاء السياسي،وهذا كان من الأسباب والدوافع وراء فشل العديد منها وأيضا وراء تعنت هذه الفئة الباغية.
التجهيزات التي بحوزة الحوثيين خطيرة،تقارب تجهيزات دولة،وهناك تهريب تم بليل كانت فيه القرصنة الصومالية تجلب الأنظار وكان حسين الحوثي يرسل طلابه للتدرب في قم وفي الجنوب اللبناني،وكان الهدف المعلن حقوقا مذهبية وغير المعلن جيبا سياسيا وضاحية جنوبية أخرى.
منذ زمن والمملكة ترصد مايجري على حواف أمنها ومنذ التاريخ والمملكة لا تتدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار العربية،لا بل كانت على الدوام مع أمنها واستقرارها،ومنذ مدة والمملكة ترصد دخول وخروج المهربين مهربي الحشيش والسلاح ومصدري الفتنة والفوضى،ومع ذلك كانت المملكة تعلم علم اليقين أن أهدافا بعيدة وراء مايجري وأن مايتم عمله ليس من صنع فئة وإنما من جهة إقليمية لها أهداف بعيدة وسياسية.
في حرب غزة،التي لم تحصد غير تقرير جولدستون،كانت إيران حاضرة في كل التفاصيل،حتى داخل القرار العربي،كانت الحملات الإعلامية تستهدف دور المملكة وعقلانيتها وتستهدف مكانة مصر ودورها وكأن هناك جهدا منظما ومبرمجا للنيل من كليهما.
وقبل أيام قليلة أطلقت إيران صيحاتها «الإسلامية» لاستثمار الحج وتوظيفه سياسيا لخدمة مصالحها كي يشكل لها رافعة من أزماتها التي تغرق فيها،وكان الجميع يدرك أن إيران مقبلة على صدامات داخلية بانت بوادرها في الطعن في شرعية الرئيس الإيراني وبالخروج الشعبي إلى الشارع وفي مظاهر العسكرة والصراع بين الملالي.
وتدرك طهران أيضا أن أي تنازل في ملفها النووي سيجعلها مستباحة أمام الرأي الآخر الذي له موقف مما يجري ومازال هذا الرأي يتبلور وهو متحفز،وإن صممت إيران على مواصلة عنادها ستفقد مع الوقت مؤازرة الشارع الإيراني كاملة،وستكون في مواجهة مع المجتمع الدولي.
إيران في هذا الظرف الدقيق والحساس بالنسبة لها ستسعى جاهدة لتفجير الإقليم في منطقتين على قدر كبير من الحساسية والأهمية، في باكستان التي رفضت ذات وقت منح الأمريكيين إطلالة على إيران قبالة الحدود معها،لكنها ترغب في تفجير الوضع هناك بالتعاون مع قوى محسوبة عليها في أفغانستان بهدف خلط الأوراق وأيضا هي راغبة بقوة في تفجير الوضع في اليمن وجعله بمثابة أفغانستان أخرى قريبة من منابع النفط ومن المملكة «الصخرة الكبيرة «التي تحول دون تنفيذ إيران طموحاتها في المنطقة العربية،ومصادرة أحلامها وطموحاتها غير المشروعة.
احذروا إيران السياسية فأهداف رجال الدين في إيران لا دخل لها بالبعد المذهبي بل هي فضاء ومجال حيوي تسعى إيران لتحقيقه وهذا الحلم يتطابق تماما وحلم القوميين الإيرانيين وطموحاتهم في إيران دولة قوية وشرطي للمنطقة.