اقتصاد العالم قبل الأزمة المالية العالمية
صدر أخيرا تقرير البنك الدولي عن «مؤشرات التنمية العالمية لعام 2009م», ويتضمن عرضاً شاملاً عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لجميع دول العالم من خلال مجموعة من الجداول التفصيلية لعام 2007، وهو العام السابق للأزمة المالية العالمية التي شهدها العالم في أعقاب أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة في النصف الثاني من عام 2008, التي أثرت في دول العالم كافة, وإن كانت بدرجات متفاوتة.
ولا شك أن إعادة قراءة هذا الإصدار قد يفيد في استخلاص بعض الدروس المستفادة ووضع تصور عن اقتصاد العالم في فترة ما قبل الأزمة المالية العالمية, ومن ثم يحتاج الأمر إلى أكثر من وقفة:
الوقفة الأولى: قدر التقرير الدخل الوطني الإجمالي Gross National Income لجميع دول العالم بنحو 53 تريليون دولار في عام القياس 2007، في وقت بلغ تعداد سكان العالم 6.6 مليار نسمة, وهذا يعني ببساطة أن حصة المواطن العالمي من الدخل الوطني الإجمالي في حدود ثمانية آلاف دولار/فرد/سنة, علماً بأن العالم في هذا العام شهد معدل نمو موجبا قدره 3.8 في المائة مقارنة بالعام السابق 2006.
الوقفة الثانية: صنّف البنك الدولي دول العالم حسب دخلها إلى ثلاث مجموعات مميزة: مجموعة الدول ذات الدخل المرتفع High Income التي يزيد فيها دخل الفرد على 11456 دولارا سنوياً. وفي المقابل هناك دول منخفضة الدخل Low Income يقل فيها دخل الفرد عن 935 دولارا سنوياً, بينما هناك دول أخرى تصنف كدول متوسطة الدخل Middle Income وهي تشكل الأغلبية العظمى لدول العالم.. وينظر إلى هذا التصنيف باعتباره تصنيفاً غير واقعي يأخذ في الحسبان عنصراً وحيداً هو الدخل لقياس المؤشر الاقتصادي للدولة وحجمها في المجتمع الدولي دون أخذ الاعتبارات الأخرى المرتبطة بالوضع المالي، وتوافر الموارد الطبيعية، والقدرة الشرائية، والاستقرار السياسي والظروف الاجتماعية والبيئة وغيرها. الوقفة الثالثة: تضم مجموعة الدول ذات الدخل المرتفع التي يزيد فيها دخل الفرد على 11456 دولارا سنوياً, 35 دولة عام 2007، منها ثماني دول تريليونية, أي يزيد دخلها الوطني على تريليون دولار سنوياً وعلى رأسها بالقطع الولايات المتحدة بدخل نحو 13.9 تريليون دولار, أي 26 في المائة من إجمالي الدخل العالمي, ويبلغ دخل الفرد الأمريكي في هذا العام 46 ألف دولار ما يجعله في الترتيب الـ 16 من السلم العالمي. ويلي ذلك اليابان في المرتبة الثانية وبدخل إجمالي 4.8 تريليون دولار, أي 9 في المائة من إجمالي الدخل العالمي, فيما يبلغ الدخل السنوي للفرد الياباني 38 ألف دولار, وفي المرتبة 26 من الترتيب العالمي للدول. أما باقي الدول التريليونية الست في هذه المجموعة فهي تحديدا: ألمانيا, المملكة المتحدة, فرنسا, إيطاليا, إسبانيا, وكندا حيث يراوح دخل الفرد فيها بين 41 ألف دولار/سنة (المملكة المتحدة) و29 ألف دولار/ سنة (إسبانيا).
وتجدر الإشارة إلى أن هذه المجموعة تضم عديدا من الدول الأوروبية من أبرزها النرويج بدخل يصل إلى 77 ألف دولار/فرد/سنة، والسويد بدخل يصل إلى 61 ألف دولار/فرد/سنة, وبعض دول شرق آسيا الواعدة هونج كونج, سنغافورة, وكوريا الجنوبية ودولتا أوقيانيا أستراليا ونيوزبلاندا, ودولتان قزميتان من أمريكا اللاتينية ترنداد وتوباجو، وبورتاريكو, إضافة إلى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي الست.
الوقفة الرابعة: يوجد في عالمنا المعاصر 51 دولة مصنفة كدول فقيرة ذات دخل منخفض، حيث لا يتجاوز دخل الفرد 935 دولارا سنوياً، وجميعها من قارتي آسيا وإفريقيا’ ويعزى ذلك إما إلى زيادة التعداد السكاني وإما إلى تدني مستويات التنمية من جراء سوء استخدام الموارد الاقتصادية والطبيعية، وربما للعاملين معاً، ومن العجب أن تضم هذه المجموعة دولا مهمة لها تأثير واضح في الساحة الدولية، منها باكستان العضو البارز في النادي النووي الدولي وإحدى القوى العسكرية البازغة في آسيا التي لها بصمات واضحة أيضاً في المجالات العلمية والتقنية, ورغم ذلك فإن دخل الفرد الباكستاني ما زال حتى عام 2007م في حدود 860 دولارا سنوياً.
كما تضم المجموعة أيضاً دولة نيجيريا النفطية في وسط إفريقيا بدخل 920 دولارا/فرد/سنة، ونيبال أقدم الممالك الآسيوية بدخل 350 دولارا/فرد/سنة وإثيوبيا الحبشة سابقاً ذات التاريخ العريق وبدخل لا يتجاوز 220 دولارا/فرد/سنة.
ولا يمكن أن نغفل وجود دولتين عربيتين أيضاً في نطاق هذه المجموعة هما اليمن وبدخل في حدود 870 دولارا/فرد/سنة وموريتانيا وبدخل في حدود 840 دولارا/فرد/سنة.
الوقفة الأخيرة: فيما يتعلق بمجموعة الدول ذات الدخل المتوسط, التي قوامها 132 دولة, أي نحو 70 في المائة من إجمالي دول العالم، فقد أعاد تقرير البنك الدولي تصنيفها إلى دول فوق متوسطة الدخل upper – Middle Income يراوح فيها الدخل للفرد بين 3706 و11455 دولارا سنوياً، ودول أخرى منخفضة - متوسطة الدخل Lower – Middle Income يراوح فيها دخل الفرد بين 936 و3705 دولارات سنوياً.
وتضم المجموعة الفرعية الأولى 27 دولة فقط وهي أقرب ما يمكن للدول الغنية مرتفعة الدخل، منها دول تريليونية مثل البرازيل الذي يبلغ دخل الفرد فيها 5860 دولارا سنوياً, وروسيا حيث دخل الفرد 7530 دولارا سنوياً. كما تضم أيضاً دولاً أوروبية مثل كرواتيا 10460 دولارا/فرد/سنة وبولندا 9850 دولارا/فرد/سنة ودولاً من أمريكا اللاتينية مثل المكسيك 9400 دولار/سنة/فرد وشيلي 8190 دولارا/فرد/سنة ومن آسيا ماليزيا 6420 دولارا/فرد/سنة, إضافة إلى دولتين عربيتين هما ليبيا 9010 دولارات/فرد/سنة ولبنان 5800 دولار/فرد/سنة.
أما بالنسبة إلى المجموعة الفرعية الثانية – الدول ذات الدخل المنخفض المتوسط فهي تشكل بمفردها نحو نصف دول العالم 69 دولة, وهي تضم أيضاً دولاً ذات أهمية اقتصادية وسياسية على الساحة الدولية نذكر منها الصين الدولة التريليونية الرابعة على مستوى العالم, الذي يصل دخلها الوطني إلى 3.1 تريليون دولار حسب تقديرات 2007, ومع ذلك فإن دخل الفرد فيها لا يتجاوز 2370 دولارا/سنة/فرد وما زالت تحتل المرتبة 132 في الترتيب العالمي. وكذلك الهند التي لا يزيد فيها دخل الفرد على 950 دولارا سنوياً وتحتل المرتبة 159 في الترتيب العالمي، ولا يمكن أن نتجاهل أن أغلبية الدول العربية الباقية 12 دولة عربية ما زالت تصنف في نطاق هذه المجموعة الفرعية.
وفي الختام وبعد هذه الوقفات المتتابعة لتحليل الأوضاع الاقتصادية لدول العالم قبل الأزمة المالية العالمية, من حقنا أن نتساءل: هل سيحدث تغيير في شكل وملامح الخريطة الاقتصادية لدول العالم بصورة عامة والخريطة الاقتصادية العربية بصورة خاصة في عام الأزمة 2008 وما بعد هذا العام أم لا؟! وإن غداً لناظره قريب.