استراتيجيات التمكين
تحدثت كثيراً وكتبت عن أهمية أن تعتني الحكومات بتطوير برامج لتمكين مواطنيها من الحصول على المساكن الملائمة، وتوفير القنوات اللازمة لانتشار هذه البرامج ودعمها، عوضاً عن بناء مساكن جاهزة لهم. وكنت أعتقد أن موضوع التمكين واضح - على الأقل - في صورته المبسطة والأساسية للجميع، وأنه بديل يجعل الحصول على المسكن وربما امتلاكه متاحاً وممكناً لجميع المواطنين، من دون الحاجة إلى أن تتدخل الحكومات في عمليات بناء المشاريع الإسكانية وتوفير المساكن للمواطنين بوصف ذلك منتجاً نهائياً، وهو ما يصعب تحقيقه لجميع المواطنين - بل قد يعد مستحيلاً - في ظل محدودية الإمكانات المالية والفنية والإدارية المتاحة للجهات المعنية بالإسكان، كما أن مشاريع الإسكان الحكومية تنتج مساكن متشابهة في عناصرها، وطريقة توزيع مكوناتها، ومساحاتها، وأشكالها، ومستوى تنفيذها؛ مفترضة أن رغبات جميع الأسر، ومتطلباتهم الحياتية، وحاجاتهم الاجتماعية، وميولهم النفسية، وإحساسهم الجمالي، وطريقة معيشتهم؛ متشابهة تماماً، ولا توجد اختلافات فردية وأسرية في المجتمع.
بينما تمثل برامج التمكين - في المقابل - بديلاً لجعل الأسرة تحصل على المسكن المناسب لها، ولكن بما يوافق خصائصها الاجتماعية والاقتصادية، وبما يحقق رغباتها وميولها ومتطلباتها، وكذلك بما يساعدها على إبراز هويتها الذاتية، وهي برامج متعددة من الدعم المالي والفني والتنظيمي، وتعد منح الأراضي السكنية وقروض صندوق التنمية العقارية - على الرغم من تحويلها المستفيدين منها إلى مطورين فردياً من دون تدريب أو خبرة سابقة - مثالاً جيداً لتوضيح فكرة برامج التمكين.
ورغم قناعتي بوضوح فكرة التمكين، إلا أنني فوجئت قبل أيام بمن يحدثني وهو مستهجن نقدي لفكرة تولي الحكومات بناء مساكن جاهزة للمواطنين، وعدم رضاي عن تبني هذا الأسلوب لتوفير المساكن، ومناداتي لإبقاء تطبيقه واللجوء إليه - في أضيق الحدود - لتوفير المساكن للأسر التي لا يمكن أن تستفيد من برامج التمكين. كما أنه عد أطروحاتي الخاصة بتطوير برامج التمكين وتوفيرها على نطاق واسع لدعم المواطنين وتمكينهم من الحصول على المسكن وامتلاكه من باب «الكلام غير المفهوم والفلسفة (الفاضية)» - على حد تعبيره - وهو - للأسف - من المحسوبين على التخصص. ومع هذا فإني أشكره على أن نبهني بحديثه إلى كتابة هذه المقالة، وأتمنى أن تساعده وغيره على فهم مبدأ تمكين المواطنين من الحصول على المسكن الذي يرغبون فيه، وأن التجارب العالمية في مجال الإسكان قد أجمعت على عناية الحكومات بتطوير باقة من برامج الدعم المالي والعيني، وخطوات التمكين الإجرائي والفني والتنظيمي، التي تراعي الخصائص الاجتماعية والاقتصادية لمختلف شرائح المجتمع، والمتوافقة مع الخطط التنموية واستراتيجيات الإسكان الوطنية وحجم الدعم الحكومي المتاح لقطاع الإسكان.
يجب تنبيه السادة القراء إلى أن دعوتي إلى توفير برامج التمكين ومناداتي بها تقع ضمن الطرح الأولي والأساسي لفكرة التمكين، ولفت الانتباه إلى أهميتها، ورسم إطارها الكبير الذي يحدد العلامات المشيرة إلى الطريق الصحيح، ولكن رسم الطريق يجب أن يتم بتعاون جميع المعنيين بالإسكان والمهتمين بالمشاركة في توفيره من خلال اقتراح برامج تفصيلية لتمكين المواطنين من الحصول على المسكن، والعمل بعد ذلك من قبل الجهات المعنية بتطويرها وتطبيقها؛ فمثل هذا التوجه لا يمكن أن يتم بجهد شخص واحد، وإنما بجهود متنوعة ومتكاملة ومتتابعة يساهم في اقتراحها وتطويرها الكثير من أفراد المجتمع ومؤسساته.