«فشة خلق»

أعلنت هيئة السوق المالية قبل أسابيع «صدور قرار نهائي من لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية، وذلك في الدعوى المقامة من هيئة السوق المالية ضد المخالف نجم الدين أحمد نجم الدين ظافر، الذي انتهى منطوقه إلى إدانة المذكور بالتداول على سهم شركة بيشة للتنمية الزراعية بناء على معلومة داخلية حصل عليها بحكم رئاسته مجلس إدارة الشركة، مخالفاً بذلك المادة الـ 50 فقرة (أ) من نظام السوق المالية، والفقرة (أ) من المادة 6 من لائحة سلوكيات السوق، وإيقاع العقوبات التالية عليه:
1 - السجن مدة ثلاثة أشهر.
2 - إلزامه بدفع المكاسب التي حققها نتيجة هذه المخالفة إلى حساب الهيئة، البالغة 52690 ريالا.
3 - فرض غرامة مالية عليه مقدارها 100 ألف ريال.
4 - منعه من العمل في الشركات التي تتداول أسهمها في السوق لمدة خمس سنوات.
وبهذا تؤكد هيئة السوق المالية حرصها على تطبيق نظام السوق المالية ولوائحها التنفيذية، وحماية المتعاملين من الممارسات غير المشروعة».
هذا الإعلان الذي تم نشره من قبل هيئة السوق المالية، أشم فيه كثيرا من النكهات, إضافة إلى المخالفة المذكورة، فمع احترامي للهيئة وقراراتها، إلا أن هذا القرار الذي يصدر بعد إيقاف التداول على أسهم شركة بيشة بأكثر من عام وفي مخالفة أعتبرها بجميع المقاييس مخالفة تافهة، لا أستطيع ربطه بالسبب الحقيقي المعلن في القرار.
لماذا؟ لست متجنياً على الهيئة ولا على اللجنة القضائية، فقد اتخذت مسارها الصحيح, ولكني أعتقد أن هيئة سوق المال لم تجد في النظام ما تستطيع اللجوء إليه لمعاقبة «الظافر» نظامياً إلا هذه المخالفة، وقد يتساءل القارئ الكريم: وهل توجد أسباب أخرى تدعو إلى مخالفة الظافر؟ من وجهة نظري الشخصية نعم وألف نعم!
المخالف نجم الدين ظافر ارتبط اسمه بسهم شركة بيشة التي شغلت السوق وضيعت أموال المتعاملين في السوق، فقد كان الظافر رئيس مجلس إدارة الشركة التي وصل التداول على أسهمها في يوم من الأيام إلى أكثر من مليار ريال في الوقت الذي بلغ فيه رأسمالها 50 مليوناً! وقيمتها الدفترية لم تتجاوز خمسة ملايين ريال! شركة بيشة التي تلاعبت بمساهميها أكثر من مرة، عبر استثماراتها في مشاريع استهلكت رأسمالها، وعن طريق التفريط في أموالها بالمضاربة في سوق المال، والأدهى والأمر من ذلك أن هذه الشركة أكلت أموال دائنيها (المساهمين غير المسددين لباقي رأس المال) وقامت باستثمار أموالهم (قيمة بيع أسهمهم) لمصلحة الشركة وضيعته بمضارباتها المتهورة في سوق المال، كما أنها قامت بالتلاعب في قوائمها المالية ولم يقف في وجه ذلك سوى أحد المحاسبين القانونيين المواطنين الأمناء الذي كشف المستور، ثم تلاعبت بعد ذلك بعواطف مساهميها عن طريق إعلاناتها المكررة لانعقاد جمعيتها العمومية، التي كان يتبع كل إعلان إعلان آخر يفيد بإلغائه.
هذه الشركة ما زالت أسهمها موقوفة عن التداول في السوق، في الوقت الذي لا تظهر فيه أي بادرة لإنهاء هذا الوضع المعلق، ويتزامن ذلك مع القضايا المقامة ضد الشركة من وزارة التجارة، ولا يظهر لنا أي حلول جذرية في الأفق، حيث لا يزال سعادة رئيس مجلس الإدارة نجم الدين ظافر متوارياً عن الأنظار.
أعتقد أن عدم حل إشكالية شركة بيشة سيساعد على تشجيع تكرار السيناريو مع شركات أخرى سواء كان بالتعقيد نفسه أو بجزء منه أو بأسوأ من ذلك، وأعتقد أنه يجب وضع قوانين منظمة لهذه الحالات تتخذ فيها الدولة بحكم أنها «ولي الأمر» الإجراءات التي تحمي صغار المساهمين وضعفائهم، سواء كان بحل الشركة أو بإلغاء مجلس الإدارة أو بتعيين مجلس وصاية .. إلخ، مع عدم الإخلال بحقوق المساهمين في مقاضاة إدارة الشركة ومجلس إدارتها عن الأضرار التي حدثت لهم، أما بقاء الوضع كما هو فمعضلة أكبر تفقد السوق بريقها، وفيه كثير من الظلم مع صغار المساهمين الذين وثقوا بالجهات الرقابية للدولة، واعتقدوا أنها حامية لحقوقهم.

ختاماً .. أعتقد أن القرار بشكله الذي صدر به إنما هو على قول إخواننا اللبنانيين «فشة خلق».

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي