كيف تكون سعيدا؟
«لا يمكن لك أن تكون سعيدا لو كنت دائما على حق!».. كانت هذه العبارة هي ما ختمت به مقالي الأسبوع الماضي عن السعادة والتوازن في حياة الإنسان. ببساطة، لتكون سعيدا يجب أن تنظر إلى المتضادات في حياتك (العمل الجاد من أجل المستقبل والترفيه اليومي مثلا) ثم توازن بينها من خلال التنازل عن تحقيق كل ما تريد في كل جانب والوصول إلى نقطة وسط بين الاحتياجات.
على الرغم من أن هذا يبدو بدهيا لبعض الناس، ولكن تحقيقه صعب في الواقع, لأن لحظة التنازل من أجل أمر آخر في حياتك قد تؤمن به ولكن لا يميل إليه قلبك، أو القدرة على النظر للأمور بعمق واتخاذ قرارات حياتية والالتزام بتنفيذها ليس سهلا على كثير من الناس من الناحية العملية، وهناك كثير من النظريات والأساليب والأفكار التي تساعد الإنسان على الوصول إلى هذا التوازن، وإن كان هناك تباين واضح بين المدرسة الغربية القائمة على النظريات النفسية وبين المدرسة الشرقية (الصينية / اليابانية أو الهندية) القائمة على الأساليب الروحية القديمة، إضافة ــ طبعا ــ إلى الأساليب المشتقة من التعاليم الدينية الإسلامية بالنسبة إلى العالمين العربي والإسلامي.
وإذا كانت المدرسة الشرقية تعتمد على التأمل العميق والتحكم في ردود الأفعال والعواطف وتربية الذات من خلال تمارين وطقوس متعددة مثل اليوجا، فإن المدرسة الغربية ركزت على المشاعر الإيجابية، واستكشاف نقاط القوة النفسية وتنميتها، والتحكم النفسي في العواطف، والبحث عن الحوافز، وتحقيق الذات، والتدرج (من خلال عدة خطوات)، والنظر داخل النفس والتعرف عليها، وجاءت بعد ذلك لتجمع أكثر هذه الأفكار ضمن مصطلح «الذكاء العاطفي».
هناك آخرون ركزوا على الحلول العملية مثل إدارة الوقت، والتخطيط لأهداف الحياة، أو قضاء نصف ساعة أسبوعيا (2 في المائة من الأسبوع) لاستكشاف الذات واتخاذ خطوات عملية لتحقيق السعادة إلى آخره من الأساليب التي تتحدث عنها كتب كثيرة في السوق.
الإشكالية الأساسية في كل هذه الأساليب أنها تأتي لمعالجة واقعنا المعاصر الذي يتحرك بسرعة ومتطلبات تفوق قدرات الإنسان النفسية العادية، فهناك ضغط الوقت والرغبات المادية التي لا تنتهي، والحاجات الاتصالية والاجتماعية التي غيرت حياتنا بشكل عجيب، وصار الواحد منا يعرف مئات الناس ولديه التزامات اجتماعية نحوهم، إضافة إلى المؤسسات (سواء كانت حكومية أم تجارية) التي نعمل فيها والتي أدت نظمها الإدارية أن نكون تروسا في عجلة ضخمة مليئة بالمصالح والقرارات الإدارية والقيود التي في النهاية تجعل حياتنا روتينا خاليا من النمو والإبداع والمتعة.
في السابق لم يكن الإنسان ليحتاج إلى كل هذه الأساليب التي تبحث عن تحقيق السعادة للإنسان لأن الحياة كانت متناسبة مع قدرة الإنسان النفسية، والحياة الآن صارت أسرع وأقوى وأكثر تطلبا، تماما كما لو جئت بسيارة قديمة وقدتها بسرعة عالية في سباق سيارات. السيارة قد يمكنها فعل ذلك وقد تنجح في السباق مع سيارات أخرى إذا كان السائق مميزا ولكن السيارة القديمة سترهق وتتعب وينقص عمرها.
نحن في زمننا هذا نشبه السيارات في مضمار سباق يتطلب سرعة أكبر بكثير مما يعطينا الحياة المريحة والسعيدة، وهذه الأساليب كلها تعلمنا كيف نقود بمهارة ونحافظ على لياقتنا، ولكننا في النهاية في تحد ضمن أنفسنا.
أظن أن الإنسانية ستقف قريبا بطرق متعددة مع نفسها لتبحث عن حل من هذه الورطة، فبقدر ما نستمتع بالتكنولوجيا والإنترنت والموبايل والحياة العملية ضمن مؤسسات عملاقة، فنحن أيضا نضع ضغطا على أنفسنا، يزيد من أمراضنا الجسدية والنفسية، ويحرمنا متعة الحياة، ويضعنا في دوامة تدور بنا بسرعة أكثر مما نحتمل.
حتى ذلك الوقت، فحلول السعادة النفسية وغيرها هي ما ينبغي أن نبحث عنه، وإذا كان هناك «معالجون» أو «مدربون» في العالم العربي يقدمون دورات وجلسات لها علاقة بالذكاء العاطفي والبحث عن السعادة والتوازن والقدرة على التأمل، فإننا ما زلنا في خط البداية وما زال ما نحتاج إليه الكثير.
بدلا من السؤال «كيف أصبح سعيدا؟» ربما علينا أن نسأل أنفسنا «كيف أحمي سعادتي الفطرية من هجمات الحياة وقسوتها؟».