الثقافة الجنسية بين المسموح والمرفوض!

يدور جدل اجتماعي هذه الأيام عبر المجالس والمنتديات والصحف والقنوات الفضائية حول الثقافة الجنسية, ماهيتها, نطاقها, وحدودها. ويعلو بعض الأصوات مطالبا بإعمال ونشر مفهوم الثقافة الجنسية, بل تدريسها ضمن المناهج في المدارس ابتداء من الصفوف الأولية! لكن ما من أحد تعرض إلى مفهوم هذه الثقافة, وماذا تعني, وما المقصود بها, وإلى أي حد يمكن الأخذ بها كأسلوب حياة, وما الفوائد التي ستجنى من ذلك؟! وكذلك ما المضار ــ إن وجدت؟!
ويكاد صوت المنادين بإشاعتها وتدريسها يعلو فوق الأصوات الأخرى المحافظة التي لا ترى فائدة للاعتراف بها كمادة ضمن المناهج الدراسية, وقد ذهب بعض من تناولها وتداولها من خلال الصحف أو المقابلات والبرامج المرئية, بعيدا في التشديد على حاجة المجتمع إلى الانفتاح على هذه الثقافة!
والذي يهمنا التأكيد عليه, هو طبيعة المجتمع المحلي المحافظ في المملكة, الذي لا يمكنه أن يتقبل ما يعتبره مجتمع آخر من الأمور المقبولة لديه, فإذا كان من المقبول, على سبيل المثال أن يتعرف الشاب على الفتاة ويخرج معها ويختلي بها بعيدا عن مظلة الأسرة, كشرط ومقدمة للزواج, فإن هذا من الأمور التي يرفضها الدين, ناهيك عن المجتمع, لأنها, أي هذه الوسيلة, وإن قادت في بعض الحالات إلى حصول الزواج, فإن ما يفشل بسببها من زواجات أكثر مما يكتب له النجاح, ولنا فيما أقرته الشريعة من مقدمات ومقومات للزواج كالحرية في الاختيار, والحرص على توافر عوامل الدين والأمانة والخلق, إضافة إلى المقابلة المسموح بها, ما يكفي لحصول الزواج الناجح, وليس كل زواج ينبغي أن يبنى على الثقافة الجنسية والمتعة الجسدية, إذ إن مثل هذا العامل سرعان ما يتلاشى مع تقدم العمر ومر السنين, ولا يتبقى إلا ما يبنى على العوامل التي ذكرناها, والتي لها صفة الاستمرار ولا يؤثر فيها عامل السن إن لم يزدها تماسكا ونضجا!
لفت نظري, في هذا المجال, ما نشرته صحيفة «الحياة» بتاريخ 4/11/1430هـ منسوبا إلى استشاري مسالك بولية وأمراض عقم وذكورة الدكتور ماهر المؤذن, حيث يقول إنه لا توجد إحصاءات في المملكة عن الضعف الجنسي, ورغم ذلك يعترف (بأن 40 في المائة من النساء و30 في المائة من الرجال في المملكة يعانون الضعف الجنسي, وأن الاستعداد والتهيئة الجنسية مفقودة لدى النساء), ويتابع (إن كلا الزوجين يبحث عن بديل للجنس مع الزوج أو الزوجة من خلال مشاهدة الأفلام الإباحية أو السفر لغرض العملية الجنسية, لعدم الوصول إلى الإشباع الجنسي للطرفين!) ويواصل (إن العادة السرية ليس لها أثر إذا استخدمت بطريقة صحيحة, والغلو فيها لا يؤثر نفسيا, ولا في الدماغ والمفاصل, بل دلت الأبحاث العلمية على أن الاعتدال فيها يقلل من سرطان البروستات), ويختم بالمطالبة (بدورات خاصة للمتزوجين عن زيادة الوعي الجنسي, من قبل اختصاصيين اجتماعيين وأطباء في المعاشرة الجنسية، وكيفية عملية الجماع)! ثم يؤكد (أنه لا توجد ثقافة جنسية في المجتمع السعودي)!
والحقيقة أنني استغربت أن يحكم على أخلاقيات المجتمع بهذه السهولة من خلال استنتاجات لا تدعمها إحصاءات موثقة، حيث يعترف في بداية حديثه بأنه لا توجد إحصاءات عن الضعف الجنسي الذي رتب حديثه كله على افتراض وجوده بنسب عالية كي يسترسل في افتراضاته! بيد أن الغرابة الأشد تأتي مما ذكره من أن كلا الزوجين يبحث عن بديل للجنس (وفق ما ذكره) ومطالبته (بتعليم الزوجين كيفية الجماع)!
والحقيقة الأخرى هي أنه في ظل تكاثر الأوصياء على المجتمع ومحاولة تشريحه ونعته بما ليس فيه، لم نجد من يتصدى لذلك من العلماء بخاصة، والمتخصصين، وأصحاب الرأي بعامة، بحيث انفرد أولئك الأوصياء وكأنهم، وهم يحتلون الساحة، هم مَن يمثلون المجتمع، متناسين مجموعة القيم والأخلاق التي ينبغي أن تكون سدا يحول دون انتهاك حرمة هذا المجتمع!
وأختم بما أريد اختصاره، حول هذا الأمر، في هذه النقاط:
1 ــ إن لنا، فيما أورثته الشريعة، من تبيان لأمور الزواج والجنس والمعاشرة والملاطفة، والمودة والرحمة، وهي العوامل التي تضمن استمرار الحياة الزوجية، ما يغني عن البحث عن وسائل قد تؤدي إلى هدم تلك العوامل، وفي الوقت ذاته لا تضمن حصول الزواج الناجح.
2 ــ إن وسائل التقنية الحديثة، بما فيها البث الفضائي، شوهت مفهوم الثقافة الجنسية، وصورتها على أنها تتمثل في الانحلال الأخلاقي، إلى أن وصل الأمر، في بعض البلدان الإسلامية، إلى وجود من يفتي بجواز رتق غشاء البكارة المفتوح بفعل الاغتصاب القهري أو الحوادث، وهو يعلم أنه لا يمكن قصر الفتوى على هذه الحالات، لأن هناك من يستغل هذه الوسيلة للغش والتدليس، حتى قبل صدور أي فتوى! فأي ثقافة جنسية هذه؟!
3 ــ لم يعد هناك جهل، أو عدم إلمام بالثقافة الجنسية لدى الجيل الجديد، مثلما كان لدى الأجيال التي سبقتهم، حيث كانت الفتاة تتزوج وهي لا تعلم شيئا عن أمور الزواج، حين تسود ثقافة أمثال مثل (الأذن حمرا والتوفيق على الله)! بل أصبح الفتى والفتاة اليوم، وحتى قبل أن يبلغوا الحلم، أكثر ثقافة في هذه الناحية من آبائهم وأمهاتهم، والخوف يأتي من أن الغلو في هذه الثقافة سوف يتجاوز البعد الأخلاقي إلى ما يؤدي إلى ذوبان القيم وانتشار الفساد، وهو ما بدت آثاره تظهر في المجتمع اليوم! ويدركها كل صاحب بصيرة.
والله من وراء القصد،،،

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي