الشركات العائلية وقيمة أجيالها المضافة أو المفقودة!

تقول الإحصاءات إن أكبر تمركز للشركات العائلية في العالم هو في منطقة الخليج. وتقول الإحصاءات ذاتها إن 5 في المائة فقط من هذه الشركات تستمر إلى الجيل الثالث من العائلة، أي إذا أخذنا بهذه الإحصاءات على معناها النسبي فإن هذه النسبة تدل على أن 95 في المائة من هذه الشركات ستفشل وتتلاشى من على سطح السوق المرئي والملموس وتذهب إلى العدم، ومعها 70 في المائة من نسبة القوة العاملة، وآمال اقتصاد لن يستمر نموه من دون هذا الكم الكبير من الشركات. وإذا أخذنا بهذه النسبة وصدّقنا بها في الوقت ذاته الذي تقول فيه الإحصاءات إن 90 في المائة من الشركات السعودية تملكها عائلات، فإننا، وبلا شك، أمام تحدٍ حقيقي تقل فيه الخيارات.
الخيار الذي تعددت فيه المفاهيم وكثرت حوله الدراسات والمؤتمرات ركز على خلق فهم أكبر بتحديات الشركات العائلية وكيفية إدارة المسائل الحرجة المتعلقة بها. هذا الخيار يبحث المسائل التي تهدد استمرارية هذه الشركات في المستقبل وكيفية الحفاظ على نموها وإيجاد آلية لتنظيم تعاقب أجيال العائلة والحفاظ على ثقافة الشركة وعدم فقد الرؤية التي أسست من أجلها أو القيم التي حكمت تطورها ونجاحها. غير أن هذا الخيار، رغم أهميته ومعرفة الجميع به، يصعب التعامل معه والتخطيط له وتطبيقه! السبب يعود إلى أنه خيار استراتيجي مستقبلي مستمد من ماضي التأسيس وتطور ونمو اليوم ومن رؤية خَلقها وحافظ عليها الجيل المؤسس والجيل الثاني، ولكن عند وصول الجيل الثالث إلى إدارة الشركة تبدأ ملامح هذه الرؤية في التذبذب أو قد تختل القدرة على رؤية الرؤية ذاتها فيبدأ هذا الجيل في الابتعاد عن المركز وعن تخصّصية الشركة ويسعى جاهداً إلى الدخول في تخصصات وقطاعات قد لا تتلاءم معها الرؤية والثقافة التي حكمت الشركة عبر عقود إدارة الأجيال المؤسسة والثانية. إذا رجعنا إلى الإحصاءات، وهذه المرة على المستوى الغربي، فإنه يوجد اليوم من الجيل المؤسس 12 في المائة، من الجيل الثاني 28 في المائة، من الجيل الثالث 40 في المائة، ومن الجيل الرابع 11 في المائة. النسب هذه لا تتطابق مع الوضع في منطقة الخليج وفي السعودية بالذات، حيث من المعروف، وليس إحصائيا، أن الجيل الثاني يمثل النسبة العظمى في هذه الشركات، أي أنه لا يزال لدينا الوقت للتعامل مع خيارات هذا الخيار.
في التعامل مع تحدي استمرار نجاح الشركات العائلية، لجأ كثير من المختصين إلى دراسة المسائل الحرجة المتعلقة بالأساليب الإدارية المتعلقة بالشركات العائلية. في أغلبيتها ركزت الدراسات على: 1) التخطيط لتعاقب الأجيال بطريقة فاعلة لا تعوق تطور الشركة وتنافسيتها. 2) التعرف على أفضل تركيبة أو هيكلة إدارية تناسب الشركة وإدارتها العائلية. 3) تدريب أعضاء كل جيل على المسائل الإدارية والقيادية. 4) مراجعة الخطط الاستراتيجية للتأكد من مواكبتها تحديات الأعمال الحاضرة وعدم فقد مواكبة المنافسة. 5) إدارة الخلافات العائلية والتأكد من تقليل تأثيرها في إدارة الشركة ونجاحها.
كثير من الدراسات ركّز على جوانب التهديد لمستقبل الشركات العائلية وتجاهل في أغلبها الفرص التي يمكن تطويرها واستغلالها من خلال هذه الشركات. أي شركة عائلية أو غير عائلية لها رؤيتها ولها استراتيجيتها طويلة الأجل التي يتعاقب على تطبيقها مديري ملاك أو غير ملاك. في تعاقب الأجيال أو المديرين، تهدف أي شركة إلى إضافة قيمة تنافسية لاستراتيجيتها عبر هذا التعاقب. من الأحرى أن مسألة توليد قيمة إضافية للشركة عبر هذا التعاقب من أجيال العائلة المالكة أن يكون لها اهتمام أكبر في قلب هذه الدراسات، وخاصة أن الأغلبية العظمى من شركاتنا مملوكة لعائلات لها خبرة كبيرة في تخصص شركاتها. كثير من الشركات في سعيها للحفاظ على الاستمرارية يحاول التأكد من «عمل الشيء الصحيح وتأدية هذا العمل بشكل صحيح». غير أن هذا المسلك، رغم سلامته، يعد مسلكا دفاعيا عبر الوقت وليس تقدميا يسعى إلى توليد قيمة إضافية عبر هذه الأجيال. لا شك، في أهمية هذه الشركات لاقتصادنا، وسنشهد في المستقبل مزيدا من الدراسات والمؤتمرات، ولكن نتمنى أن تكون القيمة المضافة وما ستجلبه الأجيال الجديدة من الملاك والمديرين للتنافسية في المستقبل محل تركيز واهتمام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي