الخطوط السعودية ونقص القادرين عن التمام!
يقول الشاعر:
ولم أر في عيوب الناس عيبا
كنقص القادرين على التمام
هذا البيت يتمثل لي كلما استخدمت الخطوط السعودية في رحلاتي كواحد من أكثر الركاب التزاما، ليس لشيء، وإنما لاعتزازي بكل ما هو وطني، مع يقيني أنه لن يضير الخطوط لو فقدت راكبا مثلي! بيد أني في كل مرة أسافر فيها لا بد أن ألاحظ شيئا يلفت النظر متعلقا بالخدمة، ولا يليق بتاريخ المؤسسة وإمكاناتها، ومكانة الوطن الذي تنتمي إليه، وتحمل اسمه، وهو ما يجعلني أتساءل عن سر انفراد خطوطنا الوطنية بمظاهر لا نلاحظها في غيرها، مما هي أقل منها مكانة وإمكانات، وهو التساؤل ذاته الذي يجعلني أعجب بمستوى الخدمة في تلك الشركات، رغم الفارق في الإمكانات!
ويعد من طبيعة الأمور أن الخطأ وارد في أي عمل، طالما كان الإنسان محور ذلك العمل وموجهه، لكن القصور هو أن يتكرر الخطأ ذاته ولا يجد من يصلحه أو يتعلم منه!.
والمعروف تاريخيا عن الخطوط السعودية أنها تعرضت طوال تاريخها لضغوط توظيفية جعلتها تفيق منها متأخرة، دون أن تستطيع إيقافها، حتى بعد اختراع الشيك الذهبي للتخلص من بعض العمالة فلم تجد من يتجاوب معه بالقدر الذي كانت تؤمله، فبقيت كما كانت موردا عذبا لطالبي الوظيفة!
ومن المعروف في علم الإدارة أن زيادة التوظيف تعد عائقا للنجاح والتقدم، حيث تتعدد السلطات والطبقات الإدارية، وتسود الاتكالية وتضيع المسؤولية، ويؤدي هذا إلى فقدان الثقة بين الموظفين فيتحاشى كل منهم تحمل المسؤولية، ويزيحها إلى غيره خوفا من الوقوع في الخطأ، وهذه من الصفات التي تسود الأعمال في المؤسسة أينما اتجهت، سواء على الأرض أو في الجو، فعلى الأرض وفي مواقع تجهيز الرحلات check in تلاحظ عددا من الموظفين يفوق ما تراه في محطات مجاورة لشركات أخرى، ورغم ذلك يتسم العمل بالبطء والتردد والتشاور وضعف التنظيم، وهو ما ينسحب على الركاب أنفسهم وتلاحظه في كيفية وقوفهم وانتظامهم في الصفوف، وكل منهم يتطلع لعله يعرف أحدا من موظفي المحطة ينجز له عمله قبل الآخرين، وأنى للركاب أن ينتظموا وهم يرون المشهد خلف «الكونتر» في غاية الفوضى! ومن السهل عليك أن تلاحظ هذا المظهر يتكرر في المحطات الخارجية بالذات مثل القاهرة، بيروت، باريس، ولندن، وغيرها، بما فيها محطتا أمريكا اللتان كنا نتوقع أنهما الأكثر استفادة من وسائل التقنية بحكم قربهما من منابعها، بيد أن الواقع ينبئ عن تواضع ما نالهما من تنظيم! فقد قادتني الظروف إلى محطة واشنطن في طريق عودتي إلى المملكة بتاريخ 30/9/2009، ورغم أنني وصلت قبل الرحلة بساعتين، إلا أنهما (أي الساعتين) ضاعتا في مراقبة ما يجري في تلك المحطة، رغم قلة عدد الركاب المنتظرين، فقد كان عدد الموظفين كثيرا لدرجة الازدحام خلف «الكونتر» من مختلف الجنسيات، حيث يسود الهرج والمرج والأصوات والضحكات، ودخول وخروج إلى المكاتب الخلفية، وذلك في مشهد يمكن اختصاره في المثل السائد (أسمع جعجعة ولا أرى طحنا)، وذلك بعكس المحطات المجاورة التي لا تسمع فيها إلا همسا!
أما في الطائرة، على الأرض، أو في الجو، فيلفت النظر كثرة الموظفين الداخلين إلى الطائرة والخارجين منها، مما لا تلاحظه في الشركات الأخرى، بما في ذلك عدد طواقم الرحلات، من الملاحين الذين أحسب أن «السعودية» تبز غيرها في أعدادهم، بل وفي إراحتهم أثناء الرحلات، وهو ما لفت نظري في الرحلة القادمة من نيويورك إلى الرياض بتاريخ 17/10/2009، حيث لاحظت أن المقعد المخصص لي 1A لا يعمل الجزء المخصص منه لإراحة الساقين، فانتقلت إلى مقعد مجاور خال 2D، فجاءني مشرف الرحلة وقال لي إن هذه المقاعد الواقعة في الوسط (عددها 10) مخصصة للملاحين يرتاحون عليها أثناء الرحلة، فقلت له إنني غيرت مقعدي بسبب عدم صلاحيته، وكي أكون بجوار عائلتي، فاعتذر بأن المقعد ضمن مقاعد محددة مخصصة لطاقم الملاحين، وعلي أن أبقى في مقعدي أو ينتقل ابني معي بحيث نخلي المقعدين المتجاورين، فقلت له إن ابني اختار مقعده كي يكون بجوار الشباك، وهذا من حقه، ورغم ذلك أصر المشرف على موقفه، ولم أجد بدا من أن أطلب من ابني ترك مقعده، بعد أن أوضح لي المشرف أن الملاحين لا يريدون أن يكون بجانبهم ركاب!
والحقيقة أنني أعترف بأنني لم أكن ذكيا (وقتها على الأقل) بما فيه الكفاية كي ألاحظ الخطأ من الحركات الأولى والطائرة على الأرض، حيث قام المشرف نفسه بإخراج طاولات الطعام في تلك المقاعد كدلالة على أنه ممنوع الاقتراب منها، رغم أنه حسب قوانين الطيران لا بد أن تكون الطاولات مغلقة في حالة الإقلاع، ولم ألاحظ كذلك السرعة التي أنهى بها الطاقم تقديم الخدمة والطعام في وقت قياسي، كي يتسارعوا إلى إطفاء الأنوار والخلود للنوم قبل الركاب أنفسهم!
الأمر الذي جعلني أتساءل عن مقدار الجهد الذي بذله الطاقم والرحلة لم يمض من زمنها أكثر من ساعة ونصف، خاصة أن المعروف هو تمتع الطاقم براحة عدة أيام قبل هذه الرحلة؟! بيد أن ما حدث جعلني أعود بالذاكرة لاسترجاع ملاحظات كنت قد شهدتها في إحدى الرحلات برفقة زميلين، حيث فوجئنا أثناء الرحلة بالمضيفات يتمددن على أرضية مقدمة الطائرة في نوم عميق، نعم على أرضية الطائرة، وهو ما جعلنا نسجل المشهد في محضر موقع بعثناه إلى مدير الخطوط ظنا منا أن الملاحظة ستلقى الترحيب ونلقى نحن الشكر عليها! وأخذني التفكير بعيدا عما إذا كنا مخطئين حين اعتبرنا ذلك ملاحظة، ما دام يسمح للطاقم باحتلال المقاعد الأفضل في الرحلة؟!! غير أن مثل هذه المشاهد والتصرفات لا تحدث إلا في (السعودية)!
صحيح أن (السعودية) تحاول وتجتهد في تحسين خدماتها، ومن ذلك إبلاغ الركاب الزائرين لمختلف البلدان برسائل تتضمن رقم هاتفها في ذلك البلد، لكنها ـ مع الأسف ـ في أمريكا، تضمّن الرسالة رقما خاطئا (ناقص)، رغم أنهم، أي ركاب أمريكا، أكثر من غيرهم حاجة له، بحكم تباعد مدنها، فهل يصعب على أي أحد من منسوبيها معرفة مثل هذا الخطأ وتصحيحه؟! أم أن هناك من يعمل في الخفاء على إساءة سمعتها؟!
على كل، أنا اختزلت الأمر, وبدأت بما رأيت أنه يتصف بالحساسية من الأخطاء التي تؤثر في السمعة، وهو ما رأيته باديا في نظرات بعض الركاب من الأجانب، وقد قلت ما قلت غيرة وحرصا على سمعة خطوط بلدي، مع علمي بحجم الجهود التي يبذلها المسؤولون فيها لتحسين الخدمة وتطويرها، متمنيا ألا نرى في المستقبل إلا ما يعزز من مكانتها ويرفع من سمعتها بين الناقلين العالميين.
والله من وراء القصد.