عودة شبح التضخم لاقتصادات دول الخليج

لا يمكن استبعاد فرضية عودة ظاهرة التضخم لاقتصادات دول مجلس التعاون وإن كانت بوتيرة أقل مقارنة بعام 2007. يمكن تعريف التضخم بظاهرة ارتفاع الأسعار وبقائها مرتفعة لفترة زمنية مثل ثلاثة أشهر أو سنة كاملة. بالعودة إلى الوراء، عانت اقتصادات دول مجلس التعاون, خصوصا الاقتصاد القطري, معضلة التضخم في عام 2007, فحسب تقرير لصندوق النقد الدولي، بلغ متوسط التضخم في قطر 14.5 في المائة 2007.
## سببان رئيسان
مصدر التخوف هو الثنائي المتمثل في ارتفاع أسعار النفط من جهة وتراجع قيمة الدولار الأمريكي من جهة أخرى. فقد تجاوزت أسعار النفط حاجز 75 دولارا للبرميل في الآونة الأخيرة. كما أن الأسعار مرشحة لمزيد من الارتفاع في الفترة المتبقية من عام 2009, وذلك على تعزيز الطلب على الذهب الأسود. توفر حالة ارتفاع أسعار النفط بتوفير الفرصة للحكومات بزيادة مصروفات القطاع العام, التي بدورها تعد ضرورية للمساهمة في القضاء على تداعيات الأزمة المالية. لا شك من شأن زيادة مصروفات القطاع العام تعزيز الثقة بالاقتصادات الوطنية. وكانت دول مجلس التعاون قد أعدت موازنة السنة المالية 2009 بمتوسط أسعار للنفط ما بين 40 و45 دولارا للبرميل. يسهم القطاع النفطي بنحو ثلاثة أرباع إيرادات الخزانة العامة في دول مجلس التعاون.

تعد النفقات العامة حساسة لأنها تشكل أكثر من ثلث الناتج المحلي بالأسعار الجارية في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي. وعليه من شأن زيادة أو تقليص النفقات العامة التأثير بكل مباشرة في المؤشرات الاقتصادية. كما تتخذ مؤسسات القطاع الخاص من الاستثمارات الحكومية التوجهات الاستثمارية للدولة.

أما المصدر الثاني لعودة خطر التضخم فهو تدهور قيمة الدولار في الأسواق الولية. فقد تراجع سعر الصرف الدولار بواقع 18 في المائة مقابل اليورو منذ آذار (مارس) الماضي. يعد موضوع الدولار حيويا نظرا لارتباط عملات دول مجلس التعاون بالعملة الأمريكية. وحدها الكويت بين دول مجلس التعاون التي تربط عملتها الوطنية بسلة من العملات تشمل الدولار. وفي كل الأحوال، للدولار نصيب الأسد من سلة العملات بالنظر للأهمية النسبية للعملة الأمريكية في صادرات الكويت, خصوصا النفطية منها.

يعد الدولار الأمريكي العملة الصعبة الرئيسة في العالم بسبب الطلب على اقتنائه وقبوله في أنحاء العالم كافة. ولم يتغير الوضع بالنسبة للدولار على الرغم من ازدياد شعبية اليورو. المشهور بأن نحو 60 في المائة من الدولارات المنتشرة في العالم موجودة خارج الولايات المتحدة.
## سلاح ذو حدين
يعد سعر النفط سلاحا ذا حدين حيث يتسبب ارتفاع الأسعار في زيادة تكلفة المصروفات التشغيلية للدول المستوردة. وعلى هذا الأساس ترفع بعض هذه الدول قيم السلع المنتجة والمصدرة للعالم, بل يمكن القول إن ارتفاع أسعار النفط يشكل في جانبه نقمة وليس نعمة في كل الأوقات.

من جهة أخرى، يرتبط تراجع قيمة الدولار بقرار صريح من بنك الاحتياط الفيدرالي الاتحادي الأمريكي لجعل السلع والمنتجات الأمريكية أكثر تنافسية, وبالتالي أكثر رواجا في الخارج, الأمر الذي يساعد على تنشيط الدورة الاقتصادية في الولايات المتحدة ومن ثم الفرص الوظيفية. يشكل تدني قيمة الدولار مقابل بعض العملات الرئيسة الأخرى, مثل اليورو والجنيه الاسترليني والين, خسارة لدول مجلس التعاون عند استيراد السلع والمنتجات والخدمات من دول منطقة اليورو وبريطانيا واليابان. تشكل السلع القادمة إلى داخل دول مجلس التعاون من دول لا ترتبط عملتها بالدولار مثل السيارات والأجهزة الواردة من ألمانيا واليابان نحو ثلث الواردات.

## عدو الجميع
هناك شبه اتفاق بين علماء وأساتذة الاقتصاد باعتبار التضخم أكبر عدو لأي اقتصاد. والسبب في ذلك هو أن التضخم يضر الجميع, حيث ترتفع الأسعار بشكل نسبي للفقير والتاجر. لكن يختلف الأمر بالنسبة إلى البطالة, حيث يتركز الضرر على العاطلين والمرتبطين بهم. وعليه, فالمطلوب من السلطات محاربة أشكال التضخم كافة حفاظا على مصالح جميع أفراد المجتمع.

تمتلك دول مجلس التعاون بعضا وليس كل الأدوات لكبح جماح ظاهرة التضخم. بمقدور الحكومات التحكم في حجم مصروفاتها بطريقة أو بأخرى لكنها لا تمتلك ورقة التأثير في معدلات الفائدة, فأسعار الفائدة يتم استيرادها من الولايات المتحدة بسبب ارتباط العملات بالدولار الأمريكي, وتبقى الحكومات مسؤولة جزئيا عن ظاهرة التضخم, فالحكومات ليست مضطرة إلى تبني سياسات معينة مثل ربط العملة المحلية بالدولار, وعليه تعد مسؤولة عن تداعيات خياراتها على الأوضاع الاقتصادية بما في ذلك مشكلة التضخم.

مع الأسف يسهم بعض السلبيات مثل احتكار استيراد بعض السلع وضعف الرقابة في إذكاء لهيب التضخم, بل يخشى أن تعمد بعض المؤسسات والمحال التجارية إلى زيادة أسعار سلعها من دون سبب يذكر سوى الاستفادة من الفرص المتوافرة. وفي كل الأحوال، تنال ظاهرة التضخم من هيبة الحكومات وتعكس عجزها في إيجاد الحلول الناجعة لمعالجتها, الأمر الذي يجب أن يشكل حافزا للسلطات للوقوف أمام العدو الأول لأي اقتصاد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي