ليكن لدينا رؤية وطنية شاملة

خلال السنوات الخمس الماضية ازدحمت الساحة السعودية بالمبادرات التنموية الطموحة وبات كل جهاز حكومي أو شبه حكومي مضطلعا بواحدة أو أكثر وكل تولى مبادرته بالرعاية والحماية والتمكين، هذه المبادرات على أهميتها وفاعليتها التنموية استهلكت كثيرا من الجهود وتنافست في الاهتمام الرسمي والشعبي مما جعل أهدافها ونتائجها تتقاطع مع بعض وتتضاد في أخرى.
منذ أيام أطلقت وزارة التعليم العالي مبادرة إنشاء عدد من الكليات التقنية على أن ذلك كان يعد من اختصاص المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، هذا الحدث شد انتباهي لحجم المبادرات التي أطلقت في الساحة التنموية للمملكة منذ أكثر من خمس سنوات، فبدءا بمبادرة المدن الاقتصادية التي أطلقتها الهيئة العامة للاستثمار مروراً بمبادرة التجمعات الصناعية التي أطلقتها وزارة البترول والثروة المعدنية ومبادرة الخطة الوطنية لتقنية المعلومات، التي أطلقتها وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات ثم مبادرة وزارة المالية للحكومة الإلكترونية ومبادرة إعادة تنظيم المدن الصناعية في شكل هيئة المدن الصناعية، التي قامت بها وزارة الصناعة والتجارة ومبادرات كراسي البحث العلمي، التي بدأتها جامعة الملك سعود والجامعات الجديدة، ولا شك أن كل هذا الحراك التنموي عمل رائع وصادر من طموحات مخلصة وجهود جبارة، ولكن الذي يتمعن في تلك المبادرات يجد أنها انطلقت من مصادرها مدفوعة برؤية خاصة ليست متسقة مع بعضها بعضا بصورة تعين على تضافر أهدافها، بل إن بعضها تصارع الأخرى على الموارد والأهداف وتضني العاملين عليها في محاولة إيجاد مشتركات تدعم توجهاتها الأمر الذي يجعل بعض تلك المبادرات تمثل عبئاً وطنياً يقيد الحركة التنموية ويربك نهوضها. لا أحد يقلل من جهود القائمين على تلك المبادرات ووطنيتهم التي تمثلت في الإصرار وتكوين تلك المبادرات، ولكن لكي يكون المراقب عادلاً لا يملك إلا أن يتساءل، هل هناك رؤية وطنية شاملة نسعى لها بمبادرتنا تلك؟ أم هي تطلعات ظهرت كجزر مستقلة في بحر التنمية السعودية؟ الحقيقة أنه لا توجد عبارة محددة للرؤية السعودية الشاملة للتنمية حتى يمكن تنسيق تلك الرؤى المختلفة معها فتتسق جهودها وتترتب أهدافها، إن ما يهدي جهود التنمية السعودية المعاصرة هو معايير وأطر عامة يمكن أن تستشف من الأنظمة الرئيسة للبلاد وخطط التنمية الخمسية، ولكن ليس لدينا مذكرة رؤية استطلاعية وطنية بعيدة المدى تصف الصورة التي نريد عليها بلادنا في المستقبل، ولا شك أن غياب هذه الرؤية سيجعل كثيرا من المبادرات التي انطلقت وتلك التي يعد لإطلاقها تتصارع فيما بينها بدلاً من أن تتضافر، وستستهلك منا الجهود والأموال وربما كثير منها سيفقدنا الحماس على تتبعها أو تحقيقها.
إن الرؤية الوطنية الشاملة للبلاد ستصف ما ستكون عليها بلادنا في المستقبل عندما نوظف طاقاتنا وقدراتنا ومواردنا وقيمنا وطموحنا وستكون هي المعيار الذي من خلاله نطلق مبادرات التنمية ونحدد أهدافها وغاياتها وهي المعيار الذي من خلاله نحد من انحرافاتنا التنموية فلا نفقد جوهر حقيقتنا ولا نتخبط في اقتفاء غيرنا، ولا نتوه عن مسيرتنا، وهذه الرؤية يجب أن تمثل إرادتنا كقيادة وكشعب فهي تؤسس وتصاغ وتعلن من مقام القيادة العليا، ويلتزم بها ولاء واعتقادا كل فرد في البلاد، ومتى أعلنت تلك الرؤية لن يكون هناك متسع لمن أراد غيرها، فبها تتوحد الجهود وحولها تتلاقى المصالح الوطنية ومنها تستمد الوحدة في القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي