هل نحن بحاجة إلى قطاع خيري؟

إذا كانت في دول العالم أجهزة حكومية عريقة تقدم الخدمات الأساسية للأفراد وفق مبدأ العدالة والمساواة، وإذا كان فيها قطاع خاص يزخر بالشركات المتنافسة لتلبية حاجات الناس ورغباتهم من خلال منتجات متنوعة في الجودة والتكلفة بتنوع قدرات الناس الاقتصادية. فهل نحن بعد ذلك فعلاً بحاجة إلى عمل خيري ؟
العمل الخيري المنظم ليس منافساً للحكومات أو بديلاً لشركات القطاع الخاص بل هو مساند لتلك وشريك لهذه . فحتى في الدول التي يتضخم فيها الجهاز الحكومي ليقدم أكثر الخدمات الأساسية للفرد من أمن وتعليم وصحة فهو في الحقيقة غير قادرعلى استيعاب جميع حاجات المجتمع المتنوعة والمتجددة والاستثنائية في بعض المرات. وليست القضية متعلقة بصحة الأجهزة الحكومية من عدمها، بل القضية متعلقة ببطء حركة الجهاز الحكومي في تلبية حاجات الناس المتجددة والتزامه بمبدأ العدالة التي تحكم تحركاته ولذا فالعمل الخيري يأتي مسانداُ للحكومات بصغر منظماته الذي يتيح لها فرصة التحرك السريع وبقربه من المجتمع مما يمكنه من اكتشاف حاجاته مبكراً وتلبيتها لهم في وقت قصير.
والعمل الخيري ليس بديلاً للقطاع الخاص، فالشركات التجارية على إيجابياتها في تحريك اقتصاديات البلدان وتنويع المنتجات والمنافسة في تلبية حاجات ورغبات المستهلكين مما يجعل الحياة أسهل لأولئك القادرين مالياً فهو في نهاية المطاف يبحث عن حق مشروع وهو تحقيق الربح ويسعى لتضخيم مصالح أفراد محددين في المجتمع العريض. ولذا فالقطاع الخيري يأتي ليقدم كثيراً من خدمات القطاع الخاص للمحتاجين وفقاً لمبادئ نبيلة لاتغلفها مصالح فردية أو تدفعها أهداف مادية.
والعمل الخيري قبل هذا وذلك حاجة ملحة لأغلب أفراد المجتمعات بغض النظر عن توجهاتهم ومستوياتهم العلمية ومكانتهم الاجتماعية بل وبغض النظر عن تفاوت أوضاعهم الاقتصادية، فطبع الإنسان السوي يهديه لمساعدة الآخرين ومد يد العون للمحتاجين، والناس بمختلف أعمارهم يجدون أنفسهم ويحققون ذواتهم من خلال أعمال خيرية يختارون القيام بها طوعاً واختياراً.
لكن السؤال العنوان لا يبحث عن حاجتنا إلى عمل الخير بقدر ما يبحث عن مدى حاجتنا إلى قطاع خيري !
الممارسات الخيرية متجذرة في أفراد المجتمع السعودي الكريم حتى أصبحت قيمة دينية واجتماعية ميزتهم على غيرهم من المجتمات الأخرى ، يقودهم إلى ذلك دين صحيح يحث عن الالتفات إلى الآخرين وتلمس حاجاتهم ويتعدى في تشجيعه الاهتمام بالإنسان إلى الحيوان والموجودات الأخرى في بيئته، والعمل الخيري قيمة اجتماعية نبيلة يتفاخر الناس بممارستها وتطبيقها ، تربى عليها الصغير منذ نعومة أظفاره، وشبت عليها الفتاة والشاب حتى غدت عادة سلوكية جميلة يصطحبها السعودي أينما حل وارتحل. فإذا كان عمل الخير بهذا التجذر بين أفراد المجتمع السعودي فهل نحن بحاجة إلى أن تتحول هذا الممارسات الفردية إلى قطاع خيري يترجم تدين المجتمع وقيمه الاجتماعية؟
أدرك كثير من مجتمعات العالم أهمية وجود قطاع خيري يترجم من خلالها المبادئ النبيلة والقيم الحسنة بصورة منظمة وواضحة فكونت هذه المجتمعات صورا مشرقة للعمل الخيري لم يسبق لها مثيل في عصرنا الحاضر, وبنت قطاعات خيرية تزاهي نظيراتها الحكومية والخاصة في الحيوية والنشاط. فعدد منظمات القطاع الخيري في أمريكا يتجاوز (600.000) منظمة خيرية، وفي بريطانيا يقارب (200.000) وفي كندا (78.000) وفي أستراليا (48.000). وتبلغ اقتصاد هذه القطاعات ميليارات الريالات سنوياً، إضافة إلى ألوف الفرض الوظيفية والتطوعية التي تقدمها لأفراد المجتمع. فهل نحن بحاجة إلى قطاع خيري؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي